Ahmad Curabi Zacim Muftara Calayhi
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Nau'ikan
حار توفيق واشتدت حيرته ورأى الأمر جد خطير، وأي شيء أخطر من أن يتحدى وزراءه في غير حق وفي موقف كهذا تحيط فيه بهم الدسائس من كل جانب ويعترض طريقهم من الصعاب ما يتطلب تذليله جهودا متواصلة.
لذلك وقف الخديو أول الأمر موقفا مبهما، وسرعان ما شاعت الشائعات عنه من ناحية، وعن الوزارة من ناحية أخرى، وكلما مر يوم ازدادت ريبة الوطنيين وتعاظم غيظهم وغضبهم، ووجدت الدسائس الجو الصالح لنجاحها، فنشطت نشاطا كبيرا، ولازم مالت الخديو يوحي إليه ويوسوس له.
ولم تطل حيرة توفيق؛ فإنه آثر جانب مالت، وخطا بذلك خطوة أخرى من خطواته التي كانت تعجل سير الحوادث أبدا نحو الغاية التي رسمها الإنجليز والتي كان بلوغها من جانبهم معناه التهام مصر وازدراد تلك اللقمة التي طالما منت إنجلترا نفسها بازدرادها ...
ولعلنا نذكر من مواقف توفيق السالفة ما كان يدفع به الحوادث في طريق العنف والثورة دفعا، فهو الذي أدى إلى انضمام الحزبين العسكري والوطني وتضافرهما يوم تنكر للدستور، وأخرج شريفا من الوزارة، وهو الذي تقع على عاتقه قبل غيره مسؤولية مظاهرة عابدين، ثم هو الذي قبل المذكرة المشتركة فأحبط أعمال شريف للمرة الثانية وصدم الوطنيين صدمة لم تدع لهم بعد رجاء فيه.
وليس بعجيب أن تكون خطى توفيق كلها مفضية إلى الاقتراب من الكارثة، فهو إنما يعمل بوحي من الإنجليز. وقد عين هؤلاء الهدف الذي يقصدون إليه بسياستهم، وكان الخديو قد دان بمبدأ نحسب أنه جرى في نفسه مجرى العقيدة، وذلك أن يؤثر جانب الإنجليز في كل شيء لأن في ذلك كما توهم منجاته من الصعاب التي كانت تحيط بعرشه.
رأى الخديو كما أوحى إليه مالت أن حكم المجلس العسكري على المتآمرين من الشراكسة حكم لا يسعه الموافقة عليه، ورأت الوزارة من جانبها أنها سلكت في المسألة منذ بدايتها مسلكا لا غميزة فيه، فهي بذلك تتمسك بالحكم الذي أصدره المجلس، هذا إلى أن رفض الحكم من شأنه أن يضيع هيبتها وينتقص من نفوذها، ثم إنها إلى ذلك ترى التحيز واضحا من جانب الخديو، ذلك الذي كان يتشدد بالأمس أعظم التشدد يوم سيق عرابي وصاحباه إلى السجن لا لشيء سوى أنهم شكوا إلى أولي الأمر حالهم ... ومن هنا قامت أمام البلاد مشكلة من أدق المشاكل وأخطرها ...
وكان الذي يغضب الأمة والوزارة في الواقع أشد الغضب وآلمه تدخل الإنجليز في تلك المسألة التي لا صلة لهم بها ولا شبه صلة، وأحست الوزارة أن غرضهم هو إحراجها فحسب، ومن هنا اتخذت المشكلة مظهرا دقيقا غاية الدقة، خطيرا كل الخطر، فلقد وجد الوطنيون البلاد تلقاء موقف ... تمتحن فيه الكرامة الوطنية، والعزة القومية، ورأوا الظروف تعود من جديد فتظهر للخديو أن لا سبيل له إلا سبيل الوطنيين لأنه بانحرافه عن هذه السبيل إنما يطعن البلاد طعنة نجلاء في صميم قوميتها.
ولقد فرح المستعمرون لا ريب أن تتعقد المشكلة على هذا النحو، وزاد فرحهم أنها من صنع أيديهم، لذلك كانوا لا يألون جهدا في العمل على تفاقمها بكل ما وسعهم من مكر وخبث، وراحت صحفهم تزيد نار الخلاف اشتعالا لا تتورع ولا تتوانى، ومن ورائها رجال السياسة ورجال المال يصورون مصر في أشنع حالات الفوضى والاضطراب، فلقد سيطر رجال العسكرية وسيطر زعيمهم عرابي على كل شيء حتى ما يقف في طريقه حائل من قانون أو التزامات حتمتها الديون والظروف على مصر ...
وكان الخديو في الواقع تلقاء آخر فرصة يستطيع أن ينقذ بها مصر مما كان يبيت لها، ولكنه ألفى نفسه سليب الإرادة أمام إرادة الإنجليز، بل إنه في الحق قد فرح أن يلطم وزارة البارودي لطمة يتخلص بها منها ويتخلص من عرابي الذي بات يغار منه أشد الغيرة ويمقته أشد المقت حتى ما يطيق أن يسمع اسمه.
وليت توفيقا تحرك من تلقاء نفسه، إذن لهان الخطب وخفت وطأة البلوى على النفوس، فقد كان يمكن أن يقال يومئذ إنه ارتأى رأيا، وإنه ينتوي الخير أو ينتوي الشر حسبما يرى، ولكنه وا أسفاه كان يقوى على الوطنيين بضعفه، فلم يكن يريد شيئا وإنما كان يراد له كل ما يأخذ أو يدع من أمر ...
Shafi da ba'a sani ba