Ahmad Curabi Zacim Muftara Calayhi
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Nau'ikan
واستقالت وزارة توفيق، فاتجهت الأبصار إلى شريف، واتفقت عليه القلوب والأهواء، وما لبث أن تضاعف سرور البلاد بأن أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية، وأصبح شريف زعيم الحركة الوطنية ورئيس وزارة الأمة.
وراح الخديو يكيد للأجانب كيدا شديدا، وظهر كمن يريد أن يثأر لنفسه؛ فلم يكتف بإجابة الوطنيين إلى ما طلبوا، بل لقد ذهب إلى حد مشاركتهم مظاهر ابتهاجهم بالعهد الجديد حتى لقد حضر بنفسه حفلا أقامه في داره السيد علي البكري ودعا إليه كبار رجال الحركة الوطنية، فكان موقف الخديو في ذلك موقف الزعيم.
وتلقى الأجانب الضربة ولكنهم لم يطيشوا أو يذهلوا عما يجب عليهم أن يعملوا إزاء موقف الخديو. ومن أجل ذلك لقيت وزارة شريف منهم عنتا بالغا، فتبددت في ضوضائهم كل دعوة إلى الحكمة، وضرب الحقد على آذانهم، وجعل الغضب على أبصارهم غشاوة ...
ولكن شريفا ظهر يومئذ بمظهر جدير بالإعجاب حقا، فلا هو خشي جانب الأجانب فتخاذل عما بسبيله، ولا هو مال كل الميل فانقلبت سياسته شططا، وبذلك جمع شريف بين حمية الوطني الثائر وكياسة السياسي الماهر وروية المجرب البصير ...
احتج الأجانب على إبعاد الوزيرين الأوربيين، واستقال كثير منهم من مناصبهم، وراحت إنجلترا وفرنسا تتهددان الخديو وحكومته وتنددان بهما، وتوجه الدائنون إلى المحاكم المختلطة فرفعوا أمامها القضايا.
وأعلنت لجنة التحقيق أن الحكومة مفلسة منذ أكثر من عامين، ولما عرض شريف على هؤلاء الأجانب الصاخبين استعداده لإعادة المراقبة الثنائية وفق ما كانت تقضي به تعهدات الخديو في حالة ما إذا أخرج الوزيران الأجنبيان أو أحدهما، رفضوا ذلك الحل مبالغة منهم في الكيد، ورغبة في زيادة الأمور حرجا وتعقيدا؟ ...
ولكن شريفا لم يلوه حرج الموقف عن وجهته، وما كانت وجهته إلا أن يجعل مرد الأمور إلى الأمة، ولئن كان يمقت تدخل الأجانب فإنه كان كذلك يكره استبداد الخديو بالأمر أشد الكراهية، لذلك جعل محور سياسته أن يكون الوزراء مسئولين أمام مجلس شورى النواب، وتم له ما أراد؛ فجاء في كتاب الخديو إليه بتأليف الوزارة عبارات لا تقبل تأويلا فيما يذكر الخديو أنه يرجع بالأمور إلى الأمة ويوافق على مسئولية الوزارة أمام مجلسها. •••
بهذا كان شريف كما ذكرنا أبا الدستور في مصر؛ فإن ذلك المجلس الذي تعهده برعايته منذ نشأته سنة 1866 قد تمت له السلطة على يديه سنة 1879؛ فصار الحكم في مصر دستوريا لا تشوبه شائبة مهما يقل القائلون في طريقة الانتخاب يومئذ وجهل سواد الناس بأصول الحكم.
أجل، إن العهد الدستوري في مصر يرجع إلى سنة 1879، وهذا الدستور إنما نالته مصر بجهاد بنيها، وما كان دستور سنة 1923 إلا الدستور الثاني للبلاد أو بعبارة أخرى ما كان إلا توقدا لتلك الجمرة التي ظلت مطمورة تحت رماد الاحتلال حتى جاء سعد فخلف عرابيا في قيادة الحركة القومية فأزاح ذلك الرماد ونفخ في تلك الجمرة فأوقد نارها.
لم تكد البلاد، وا أسفاه تفرغ من مظاهر فرحها حتى جاءت الأنباء بعزل عاهلها؛ إذ ما زالت إنجلترا وفرنسا بالسلطان حتى استطاعتا إقناعه بعزل إسماعيل؛ فخلفه على أريكة مصر ابنه توفيق، وبخروج إسماعيل من مصر فقدت البلاد الرجل الذي كان يمكن الاعتماد عليه في مناهضة نفوذ الأجانب.
Shafi da ba'a sani ba