Mafarkai Daga Mahaifina
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Nau'ikan
اعتقدت وقتها أنها قصة سهلة الفهم؛ قصة عن تضحية جيل، وتبرير لمعتقدات أسرة. إلا أنني عندما سألت السيدة كرينشو عما يفعل ابنها هذه الأيام، أخبرتني بأن الأطباء منذ بضع سنوات شخصوا حالته على أنها انفصام في الشخصية، وأنه يقضي وقته الآن في قراءة الجرائد في غرفته خائفا من ترك المنزل. وفي أثناء تحدثها لم يرتعد صوتها؛ فقد كان صوت إنسانة استخلصت من المأساة معنى أكبر.
وأتذكر تلك المرة التي كنت أجلس فيها في غرفة في الدور السفلي في كنيسة سانت هيلينا مع السيدة ستيفينز في انتظار بدء أحد الاجتماعات. ولم أكن أعرف السيدة ستيفينز معرفة وثيقة، فلم أكن أعرف سوى أنها كانت مهتمة بإصلاح وتحديث المستشفى المحلي. وبينما كنا نتحدث في الأمور العامة سألتها عن سبب اهتمامها الشديد بتحسين الرعاية الصحية في المنطقة ما دامت عائلتها في حالة صحية طيبة. فأخبرتني أنها أوشكت أن تفقد بصرها وهي في العشرينيات من عمرها من جراء الإصابة بالمياه البيضاء. وكانت عندئذ تعمل سكرتيرة، ومع أن حالتها كانت قد ازدادت سوءا وأعلن طبيبها أنها أصبحت عمياء رسميا فقد أخفت مرضها عن رئيسها في العمل خوفا من الاستغناء عنها. ويوما بعد يوم كانت تتسلل إلى دورة المياه لتقرأ بعدسة مكبرة المذكرات التي يطلبها منها رئيسها في العمل، وتحفظ كل سطر فيها عن ظهر قلب قبل أن تعود لمكتبها لكتابته على الآلة الكاتبة، وتظل في المكتب لمدة طويلة بعد ذهاب الآخرين لإنهاء التقارير المفترض أن تكون جاهزة في صباح اليوم التالي. وبهذه الطريقة حفظت السيدة سرها لما يقرب من عام إلى أن وفرت مبلغا كافيا من المال لإجراء عملية لعلاج عينها.
وأتذكر أيضا السيد مارشال، وهو رجل أعزب في أوائل الثلاثينيات من عمره يعمل سائق حافلة في شركة ترانزيت للنقل الجماعي. لم تكن صفات القيادة تنطبق بالضبط على مارشال - لم يكن لديه أطفال وكان يعيش في شقة - ولذا تعجبت من سبب اهتمامه الشديد بالإسهام بشكل إيجابي في قضية تعاطي المراهقين للمخدرات. وعندما عرضت عليه أن أوصله بسيارتي ذات يوم ليحضر سيارته التي تركها في ورشة الإصلاح، طرحت عليه هذا السؤال. فأخبرني عن أحلام والده بتحقيق الثروة في مدينة بعيدة في أركانساس، وكيف تعثرت مشاريع والده التجارية، وتعرضه للغش على يد رجال آخرين، وكيف اتجه والده إلى القمار وشرب الخمور وفقدانه لمنزله ولعائلته، وكيف عثر عليه في النهاية ميتا في حفرة بعد أن تسبب التقيؤ الناتج عن إفراطه في الشراب في وفاته.
كان هذا هو الدرس الذي تعلمته من القيادة يوما بعد يوم، وهو أن الاهتمام الشخصي الذي كنت من المفترض أن أسعى إليه امتد ليتجاوز أهمية القضايا، وأن الناس يحملون بداخلهم تفسيرات رئيسية لسلوكياتهم تظهر في الأحاديث المشتركة عن أمور عامة وفي سير حياتهم غير المفصلة وفي آرائهم المختلفة. إنها قصص مليئة بالرعب والدهشة ومرصعة بأحداث لا تزال تسيطر عليهم أو تلهمهم. يا لها من قصص مقدسة!
كان هذا الإدراك - في اعتقادي - هو الذي سمح لي في النهاية بأن أشارك من كنت أعمل معهم الكثير من ذكرياتي، وساعدني أيضا على هدم جدار العزلة الذي حملته معي عندما جئت إلى شيكاغو. في بادئ الأمر كنت مترددا خوفا من أن تكون حياتي السابقة غريبة للغاية على مدارك الجانب الجنوبي، وأن تتسبب إلى حد ما في إفساد تقديرهم لي. على أن ما كان يحدث عندما كان الناس يستمعون إلى القصص التي كنت أرويها عن جدتي أو لولو أو أمي وأبي، أو حكاياتي عن الطائرات الورقية في جاكرتا أو الذهاب إلى الحفلات الراقصة في أكاديمية بوناهو، هو أنهم كانوا يومئون برءوسهم أو يهزون أكتافهم أو يضحكون، متعجبين من كيف يمكن أن ينتهي الحال بشخص لديه خلفية مثل خلفيتي - كما قالت منى - بأن يصبح «ريفيا للغاية»، إلا أن ما تسبب في قدر أكبر من الحيرة لهم هو لماذا يمكن أن يختار شخص بمحض إرادته قضاء فصل الشتاء في شيكاغو في الوقت الذي بوسعه الاستمتاع بدفء أشعة الشمس على شاطئ وايكيكي. وبعد أن أروي لهم حكاياتي كانوا يلقون على مسامعي قصصا تماثل قصصي أو تفندها بهدف ربط خبراتنا معا؛ قصصا عن الأب الغائب، وتجارب المراهقة السيئة مع الجريمة، والقلب الهائم، ولحظات السمو. وبمرور الوقت وجدت أن هذه القصص - إذا ما جرى النظر إليها كوحدة واحدة - ساعدتني في أن أجمع شتات عالمي، وأنها منحتني المعنى الذي كنت أبحث عنه للمكان والهدف. كان مارتي محقا عندما قال إنه يوجد دائما مجتمع إذا بحثنا عنه أكثر في الأعماق. لكنه كان على خطأ في توصيف العمل. وكان بالأمر نوع من الشعر أيضا؛ فقد كان هناك عالم لامع مضيء كامن تحت السطح، عالم ربما قدمه الناس إلي كهدية إذا ما طلبت ذلك. •••
وأنا لا أقصد أن كل شيء تعلمته من القادة أسعد قلبي. فمع أنهم أظهروا قوة في الشخصية لم أتخيلها قط فإنهم أجبروني أيضا على الاعتراف بالقوى غير المعلنة التي أعاقت مجهوداتنا، والأسرار التي أخفاها بعضنا عن بعض، بل أخفيناها عن أنفسنا أيضا.
كذلك كان الحال مع روبي مثلا. فبعد اجتماعنا الذي باء بالفشل مع قائد الشرطة انتابني القلق من أنها قد تبتعد عن مجال التنظيم. لكن ما حدث هو أنها ركزت بغير تردد على المشروع، وعملت بجد لتكوين شبكة من الجيران يمكن الاستفادة منها بصفة منتظمة في المناسبات التي ننظمها، وابتكرت أفكارا يمكن استخدامها في تسجيل الناخبين أو التعاون مع أولياء أمور طلبة المدارس. باختصار، كانت روبي تمتلك جميع الصفات التي يتمناها أي منظم؛ كانت إنسانة تتمتع بموهبة غير مستغلة وذكية ويعتمد عليها، وأعجبتها فكرة الحياة العامة، وكانت تتوق للتعلم. كنت أحب ابنها كايل الصغير. كان عندئذ قد بلغ 14 عاما، كنت أرى في سرعة تقلب هذا الفتى الشكل العام لكفاحي إبان شبابي؛ ففي لحظة ما كان يفيض بالطاقة والحيوية ويظل يصطدم بي أثناء لعبنا كرة السلة في الحديقة العامة في المنطقة، ثم في اللحظة التالية مباشرة يصبح ضجرا ومتجهم الوجه. وفي بعض الأحايين كانت روبي تسألني عنه وهي في حالة من الغضب عندما يصلها تقرير من المدرسة يقول إن مستواه الدراسي متوسط ، أو عندما يصاب بجرح في ذقنه، كانت في حالة من الارتباك والحيرة بشأن عند ولدها وعقله الجامح.
وكانت تقول لي: «قال لي في الأسبوع الماضي إنه سيصبح أحد فناني موسيقى الراب.» والآن يقول إنه سيلتحق بأكاديمية الدفاع الجوي ليصبح طيارا عسكريا. وعندما أسأله عن السبب يقول لي ببساطة: «حتى أطير.» كما لو كنت حمقاء. أقسم لك يا باراك أنني في بعض الأحيان لا أعرف إن كنت أعانقه أم أعاقبه بالضرب.»
وكنت أقول لها: «افعلي كليهما.»
قبل الكريسماس بيوم واحد طلبت من روبي أن تحضر إلى مكتبي حتى أعطيها هدية لكايل. وعندما دخلت المكتب كنت أتحدث في الهاتف، وعندما نظرت إليها بطرف عيني ظننت أنني رأيت فيها شيئا مختلفا، لكنني لم أستطع أن أحدده. ولم أدرك أن عينيها - الدافئتين البنيتي اللون الغامقتين اللتين كانتا متماشيتين مع لون بشرتها - تحولتا إلى ظل أزرق غير شفاف، كما لو أن أحدا لصق زرين بلاستيكيين أعلى قزحيتي عينيها، إلا بعدما أغلقت سماعة الهاتف واتجهت هي نحوي. سألتني عما إذا كان هناك أمر سيئ.
Shafi da ba'a sani ba