Mafarkai Daga Mahaifina
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Nau'ikan
حلقت الطائرة من مطار هيثرو وفوقها سماء عاصفة. وكان هناك مجموعة من الشباب البريطانيين يرتدون سترات غير مناسبة لأجسامهم يملئون مؤخرة الطائرة، وجلس أحدهم - وهو شاب| طويل نحيف شاحب الوجه لا يزال حب الشباب يزعج بشرته - على المقعد إلى جواري. وقرأ تعليمات الطوارئ مرتين بتركيز شديد، وبمجرد أن ارتفعت الطائرة التفت ليسألني عن وجهتي، فأخبرته أنني أتجه إلى نيروبي لزيارة عائلتي. «إن نيروبي مكان جميل حسبما أسمع. ولن أمانع أبدا في الذهاب إلى هناك يوما ما. أما أنا فأتجه إلى جوهانسبرج.» وشرح لي أن الحكومة البريطانية رتبت له ولزملائه - كجزء من برنامج دراسي يؤهل للحصول على درجة علمية في علم الجيولوجيا - العمل مع شركات تعدين في جنوب أفريقيا لمدة عام. وقال: «يبدو أن لديهم نقصا في الأيدي العاملة المدربة هناك، ومن ثم إذا كنا محظوظين فسيجعلوننا نعمل لديهم في موقع دائم. وهي على ما أظن أفضل فرصة لنا للحصول على عمل بأجر لائق، إلا إذا أراد المرء أن يتجمد على أحد أرصفة البترول في بحر الشمال. وأنا لا أرغب في هذا، شكرا لك.»
أخبرته أنه إذا حصل السود في جنوب أفريقيا على الفرصة فإن كثيرا منهم قد يكون مهتما بالحصول على مثل هذا التدريب.
فقال: «أظن أنك على حق.» وتابع : «أنا لا أوافق على سياسة التمييز العنصري هناك. إنها لعار.» ثم فكر لدقيقة. وقال: «لكن بقية القارة الأفريقية تتمزق الآن، أليس كذلك؟ على الأقل هذا ما أعرفه. فالسود في جنوب أفريقيا لا يموتون جوعا مثلما يحدث لهم في بعض تلك البلاد البائسة. إنهم في موقف لا يحسدون عليه، ولكن مقارنة ببعض المساكين في إثيوبيا ...»
جاءت إحدى المضيفات في الممر ومعها سماعات للأذن يمكن تأجيرها أثناء الرحلة، أخرج الشاب محفظته ودفع ثمن إيجار السماعة. وقال: «بالطبع سأحاول وأبتعد عن السياسة. أظن أن هذا ليس من شأني. والأمر نفسه يحدث في الوطن؛ فالجميع يحصلون على الإعانة التي تدفعها الحكومة للبطالة، وكبار السن في البرلمان يرددون نفس التفاهات القديمة. أفضل شيء يفعله المرء هو أن يهتم بالحيز الصغير الذي يشغله من العالم، هذا رأيي.» وأخرج سماعات الأذن ووضعها في أذنيه.
وقال قبل أن يرجع مقعده إلى الوراء لينام قليلا: «هلا توقظني عندما يحضرون الطعام.»
أخرجت كتابا من حقيبتي الصغيرة التي أحملها معي داخل الطائرة وحاولت أن أقرأ. كان الكتاب وصفا لعدة دول أفريقية كتبه صحفي غربي قضى عقدا من الزمان في أفريقيا، وسيطلق عليه خبير بأفريقيا، وهو شخص يفتخر على ما يبدو بقدرته المتزنة على التقدير. ناقشت الفصول القليلة الأولى من الكتاب تاريخ الاستعمار بشيء من التفصيل: استغلال الكراهية القبلية، ونزعة الاستعمار إلى تغيير الحدود، والتهجير، والاعتقالات، وجميع أشكال المهانة. أما الأعمال البطولية في بدايات الاستقلال لرجال مثل كينياتا ونكروما فقد وفاها المؤلف حق قدرها قبل أن ينتقل للحديث بعد ذلك عن انجرافهم إلى الاستبداد وهو ما يعزى، على الأقل إلى حد ما، إلى الدسائس الكثيرة للحرب الباردة.
وفي الفصل الثالث من الكتاب بدأت صور من الحاضر تطغى على الماضي. المجاعة والأمراض والانقلابات، والانقلابات المضادة التي ينفذها شباب أميون يبرعون في استخدام رشاشات كلاشنكوف «أيه كى-47» وكأنها عصا رعاة الأغنام، وبدا كأن الكاتب يقول لو أن أفريقيا لها تاريخ فإن مدى المعاناة الحالية جعلت هذا التاريخ غير ذي معنى.
حقا مساكين. وبلاد بائسة .
وضعت الكتاب جانبا، وأنا أشعر بغضب مألوف يجري في عروقي، غضب يثير جنوني كثيرا لأنه يفتقد إلى هدف واضح. وإلى جواري يشخر الشاب البريطاني برفق، ونظارته تنزلق قليلا على أنفه الذي يشبه زعنفة السمكة. تساءلت بداخلي: هل كنت غاضبا منه؟ هل ذنبه أنني - رغم كل ما تلقيته من تعليم، وما أعرفه من نظريات - لم أكن أمتلك إجابات جاهزة للأسئلة التي طرحها؟ إلى أي حد يمكنني أن ألومه لأنه يريد أن يحسن وضعه؟ ربما أشعر بالغضب فقط بسبب ألفته الشديدة معي، وافتراضه أنني بصفتي أمريكيا، بل أمريكيا أسود، قد أشاركه بطبيعة الحال نظرته المعتمة عن أفريقيا؛ افتراض يمثل في عالمه على الأقل تطورا من نوع ما، لكنه في نظري لا يمثل إلا تأكيدا على وضعي غير المستقر؛ فأنا غربي لا يشعر أن الغرب وطنه بحق، وأفريقي في طريقه إلى أرض مليئة بالغرباء.
كان هذا الشعور يتملكني طوال الفترة التي قضيتها في أوروبا؛ كنت متوترا ومتحفظا ومترددا في التعامل مع الغرباء. ولم أكن أخطط للأمر بهذا الشكل. فقد كنت أفكر في التوقف المؤقت هناك على أنه ليس إلا اتخاذ طريق غير مباشر للوصول إلى الجهة نفسها، وفرصة لأزور أماكن لم أرها من قبل. ولمدة ثلاثة أسابيع سافرت وحدي في أرجاء القارة معظم الأوقات بالحافلة وبالقطار، وفي يدي دليل إرشادي للسياح. احتسيت الشاي على ضفاف نهر التيمز، وشاهدت الأطفال وهم يطارد بعضهم بعضا بين أشجار الكستناء في حديقة لكسمبورج بفرنسا. ومررت عند الظهيرة بالضبط بساحة بلازا مايور بإسبانيا ورأيت ما بها من ظلال للوحات «دي شيريكو» والعصافير التي تحوم في السماء الفضية اللون، ورأيت حلول الظلام على تل بالاتين بإيطاليا منتظرا ظهور النجوم، واستمعت إلى صوت الرياح وما يحمله من همسات عن الفناء.
Shafi da ba'a sani ba