Mafarkai Daga Mahaifina
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Nau'ikan
كانت الشمس في هذا الوقت تفر ببطء خلف السحاب، ونهض اثنان من لاعبي الورق وارتدى كل منهما المعطف الثقيل الذي كان يضعه على ظهر مقعده. أشعلت سيجارة وحاولت فك شفرة الحوار الذي دار بيني وبين جوني. ترى هل ساورته الشكوك في نواياي؟ أم أنني لا أثق بنفسي؟ لقد أمعنت النظر في قراري هذا 100 مرة على الأقل. إنني في حاجة إلى فترة راحة، أردت الذهاب إلى كينيا، فأوما قد عادت بالفعل منذ عام إلى نيروبي لتدرس في الجامعة، وقد يكون هذا وقتا مثاليا للقيام بزيارة طويلة.
كانت هناك بعض الأشياء التي ينبغي أن أتعلمها عبر الدراسة في كلية الحقوق ستساعدني في إحداث تغيير حقيقي. أشياء عن أسعار الفائدة، واندماج الشركات، والعملية التشريعية، والطريقة التي تعمل بها الشركات والبنوك معا، وكيفية نجاح أو فشل الشركات العاملة في مجال الاستثمار العقاري. بالإضافة إلى ذلك سأتعلم الكثير عن أداة القوة بكل تفاصيلها وتعقيداتها، إنها العلم الذي عرضني للخطر قبل مجيئي إلى شيكاغو ولكنني الآن سأعيده إلى المكان الذي هو في مسيس الحاجة إليه؛ سأعيده إلى روزلاند، وسأعيده إلى ألتجيلد، وسأفعل مثلما فعل بروميثيوس مع النار.
تلك هي القصة التي كنت أرويها لنفسي، القصة نفسها التي تخيلت أبي وهو يرويها لنفسه منذ 28 عاما عندما ركب الطائرة إلى أمريكا؛ أرض الأحلام. ربما يكون قد اعتقد هو الآخر أنه يؤدي عملا عظيما، وأنه لم يسافر فرارا من أمور لا تتطابق مع المنطق. وفي الواقع عاد بعدها إلى كينيا، أليس كذلك؟ بلى، لكنه عاد رجلا ذا روح ممزقة، وسرعان ما دفنت خططه وأحلامه ...
ترى هل سألقى نفس المصير؟ ربما كان جوني محقا في أنه بمجرد أن ينحي المرء التبريرات جانبا تصبح المسألة دائما مسألة هروب. هروب من الفقر أو السأم أو الجريمة أو القيود المفروضة بسبب لون البشرة. ربما لا يكون التحاقي بكلية الحقوق إلا تكرارا لنمط بدأ منذ قرون عندما وطئت أقدام البيض الشواطئ الأفريقية - بعدما دفعتهم مخاوفهم من أمور لا تتطابق مع المنطق - حاملين معهم بنادقهم وجوعهم الأعمى حتى يسحبوا المهزومين في قيودهم. أعادت هذه المواجهة الأولى رسم خريطة حياة السود، وأعادت تحديد مركز عالمهم، وخلقت الفكرة الجديدة المتمثلة في الهروب؛ تلك الفكرة التي ظلت باقية في نفس فرانك وغيره من السود العجائز الذين وجدوا ملاذا لأنفسهم في هاواي، وفي نفس جويس الفتاة ذات العينين الخضراوين في جامعة أوكسيدنتال التي كانت ترغب في أن تكون إنسانة فحسب، وفي أوما الممزقة المشاعر بين ألمانيا وكينيا، وفي روي الذي اكتشف أنه لن يستطيع أن يبدأ حياته من جديد. وظلت باقية هنا في الجانب الجنوبي من شيكاغو بين رعايا كنيسة القس فيليبس الذين ربما سار بعضهم بجانب الدكتور مارتن لوثر كينج مؤمنين بأنهم يسيرون من أجل تحقيق هدف سام، ومن أجل الحقوق والمبادئ ومن أجل جميع البشر أبناء الرب، على أن هؤلاء الرعايا أدركوا في مرحلة ما أن السلطة متعنتة والمبادئ ليست ثابتة، وأنه حتى بعد سن القوانين وإلغاء تنفيذ حكم الإعدام دون محاكمة استمر أقرب مفهوم للحرية يحمل بين طياته معنى الهروب - الهروب النفسي إن لم يكن المادي - بعيدا عن أنفسنا وبعيدا عما عرفناه في رحلة إلى خارج حدود إمبراطورية الرجل الأبيض، أو ربما أقرب من ذلك، إلى قلبها.
لم تكن المقارنة دقيقة تماما، ولم تكن العلاقة بين البيض والسود ومعنى الهروب مماثلين من منظوري لما كانا عليه من منظور فرانك أو أبي أو حتى من منظور روي. وفي ظل أنين شيكاغو من ضغط الفصل العنصري، وفي ظل التوتر بين الأعراق تسبب نجاح حركة الحقوق المدنية على الأقل في خلق بعض التداخل بين المجتمعات، ومنح أمثالي مساحة أكبر للمناورة. فكرت في أنني يمكنني العمل في المجتمع الأسود كمنظم أو محام وفي الوقت نفسه أسكن في وسط المدينة في بناية شاهقة. أو العكس تماما؛ العمل في مؤسسة قانونية كبيرة وأسكن في الجانب الجنوبي وأشتري منزلا كبيرا وسيارة جميلة وأتبرع ل «الجمعية الوطنية للارتقاء بالملونين» وإلى حملة هارولد الانتخابية، وألقي الخطب في المدارس الثانوية المحلية، ويطلقون علي لقب المثل الأعلى لنجاح الرجل الأسود.
هل يشوب هذا شائبة؟ من الواضح أن جوني لم يفكر بهذه الطريقة. أدركت الآن أن الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه لم تكن تعبيرا عن رأيه في، ورأيت أنه - مثله مثل قادتي - لم ير أي خطأ في السعي لتحقيق مثل هذه النجاحات. وكان هذا درسا من الدروس التي تعلمتها خلال عامين ونصف قضيتها في شيكاغو، ألم يكن كذلك؟ تعلمت درسا فحواه أن معظم السود لم يكونوا مثل صورة أبي التي حلمت بها ولم يكونوا مثل الرجل الذي كان بطلا في القصص التي حكتها لي أمي؛ رجل المثل العليا المتضخمة الذي يصدر أحكامه وآراءه سريعا. على النقيض من ذلك كان معظم هؤلاء السود أشبه بلولو - زوج أمي - حيث كانوا عمليين للغاية وعرفوا أن الحياة قاسية للغاية فلا ينبغي أن يصدر أي منهم حكما عن الآخر، وعرفوا أن الحياة غاية في الفوضوية فلا يمكن العيش فيها طبقا لمثاليات مجردة. لم يتوقع أي منهم أن أضحي بنفسي من أجلهم؛ لم يتوقع ذلك رفيق الذي كان يلح علي قبل قليل في مساعدته لجمع تبرعات من مؤسسات البيض لتمويل مشروعه الأخير، وكذلك القس سمولز الذي قرر أن يرشح نفسه في انتخابات الولاية للحصول على عضوية مجلس الشيوخ، وكان يتوق للحصول على دعمنا. وكان شغلهم الشاغل جميعا أن لوني الأسمر معيار كاف للالتحاق بعضوية المجتمع، وهو ما يعتبر في حد ذاته أمرا كريها ينبغي أن أتحمله.
هل كان ما أحضرني إلى شيكاغو الرغبة في الحصول على قبول الآخرين؟ هذا أحد الأسباب التي أتت بي إلى هنا، وبكل تأكيد فإن هذا القبول أحد معاني المجتمع. لكن هناك معنى آخر للمجتمع ودافعا أكثر إلحاحا وتأثيرا . بالطبع كان يمكن أن يكون المرء أسود دون أن يأبه بما يحدث في ألتجيلد أو روزلاند. أو يأبه بأحوال صبية مثل كايل وأمهات صغيرات مثل بيرناديت أو سادي. أما أن يحسن المرء لنفسه وللآخرين ويضفي معنى على معاناة المجتمع بالإسهام في التئام جرحها، فهذا الأمر يتطلب ما هو أكثر. إنه يتطلب نوعا من الالتزام مثل ما كانت تقوم به دكتورة كوليار يوميا في ألتجيلد، وتضحيات مثل التي كان السيد أسانتي مستعدا لتقديمها لطلابه.
ويتطلب ذلك إيمانا أيضا. ألقيت نظرة سريعة على النافذة الصغيرة في الطابق الثاني في الكنيسة وتخيلت القس العجوز داخلها وهو يكتب مسودة العظة التي سيلقيها يوم الأحد. لقد سألني عن مصدر إيماني. وعلى حين غرة خطر ببالي أنني ليس لدي إجابة عن سؤاله. وربما أكون في الوقت الراهن لدي إيمان بذاتي. لكن إيمان المرء بنفسه لا يمكن أن يكون كافيا.
أطفأت سيجارتي وأدرت محرك السيارة. ونظرت من المرآة الخلفية وأنا أقود، وشاهدت لاعبي الورق الصامتين العجائز وهم يختفون عن أنظاري. •••
تقابلت مع عدد أكبر من خدام الكنائس السود في المنطقة على أمل إقناعهم بالانضمام إلى عملنا التنظيمي، وكان جوني يدير الأنشطة اليومية الخاصة بهذا العمل. كانت هذه العملية تسير بخطوات بطيئة؛ إذ كان معظم القساوسة السود - على عكس القساوسة الكاثوليكيين - مستقلين بصورة كبيرة ومنغلقين على أنفسهم في أبرشياتهم غير مبالين ولا يحتاجون كثيرا إلى أية مساعدات خارجية. وكلما اتصلت بهم هاتفيا أبدوا، عادة، ارتيابهم مني أو راوغوني حائرين من سبب رغبتي في استقطاع بضع دقائق من وقتهم ظانين تارة أنني مسلم وتارة، وهو الأسوأ، أنني أيرلندي. أما القساوسة الذين قابلتهم فقد تطابقت شخصياتهم مع الشخصيات التي تظهر في روايات ريتشارد رايت أو خطب مالكولم إكس، القساوسة أصحاب اللحى الذين شاب شعرهم المتظاهرين بالتقوى وهم يبشرون بالجنة في الحياة الآخرة، أو متدينين بارعين يجوبون الشوارع للترويج لدينهم راكبين سيارات تلفت الأنظار وأعينهم لا تفارق سلة التبرعات.
Shafi da ba'a sani ba