ففي مسألة الانتقال يحتم على كل فرد أن يحصل على جواز من أمير الجزيرة، فإذا غاب أكثر من يوم يجب عليه أن يمارس صناعته في المكان الذي انتقل إليه، وإذا وجد إنسان يجول في مكان وليس معه جواز فإنه يعاقب، فإذا عاود هذا الفعل عومل معاملة العبيد، ويبدو للقارئ من معاملة توماس مور لهذه المسألة أنه لم يعن أقل عناية بالتفكير الجدي فيها، أو أنه أراد أن يحصل على عبيد لجزيرته، فإنه وجد أن من أعمال الناس التي يحتاجون إليها ما هو قدر في طبيعته لا يرضى بمزاولته أحد باختياره، مثل ذبح البهائم وتنظيف الطرق وما إليها، فخص العبيد بالقيام بهذه الأعمال، وأوجد بالرق بأوهى الأسباب في نظام المجتمع، حتى يعيش أفرادها منزهين عن كل ما في مزاولته قذارة، ولكنه نسي شيئا آخر وهو أن معاشرة العبيد تؤثر في الأسياد، وإذا ألفنا الاستبداد من السيد للعبد صار أيضا مألوفا من الأمير للسيد.
أما الحرب فهو يجيزها على شروط، منها الدفاع عن الأرض، واضطهاد التجار الأجانب ومنع الأمم من الهجرة إلى بلاد يمكن زراعة أرضها وليس من يزرعها من أهلها، ومن هذه الشروط يرى القارئ أن توماس مور كان يكتب مستضيئا بالحوادث التي جرت في عصره، فقد كانت أمريكا حديثة العهد بالاكتشاف والهجرة إليها متصلة، وكانت سفن التجارة يقبض عليها في الموانئ ويسلب ما فيها من السلع. ولكنه يؤلف الجيش بطريقة «يوجنية» فهو يصطفي أسوأ الرجال لتجنيدهم في الحرب، حتى إذا قتلوا استفادت الأمة بفقدهم على نحو ما يقلع الزارع الأعشاب الضارة من حقله.
ولننظر الآن في شروط الزواج والدين، فأهل هذه الجزيرة يسمحون للعروسين بأن يرى كل منهما الآخر وهو عريان قبل الزواج، وللطلاق علتان الأولى الزنى، والثانية التواء أحد الزوجين على الآخر بحيث لا يمكن تقويمه، ومن زنى يحكم عليه بالرق، ولا يمكن أن يتزوج، رجلا كان أم امرأة.
هذا هو حلم توماس مور، وليس فيه فكرة مبتكرة أو خيال بعيد، ولكن وراء مقترحاته كلها فكرة واحدة، وهي أن يسيطر الإنسان على الممتلكات ويتمتع بها، لا أن يكون هو نفسه عبدا لها يقضي حياته في جمعها، واختزانها ويجهد جهده في المحافظة عليها وحراستها ورعايتها، يحسب بذلك أنه مالكها، والحقيقة أنها هي التي تملكه وتسترقه، وهو لذلك يلغي النقود؛ لأنها وسيلة ادخار الممتلكات، ويحتم على الجميع أن يشتغلوا في الزراعة ولو بعض وقتهم، حتى يشعر كل إنسان أنه منتج، ثم يحتم على كل إنسان يصنع شيئا إن لم يزرع، ثم يعرض جميع السلع على كل الناس يأخذون منها ما يشاءون، لا يخشى أن أحدا سيحتجن إليه ويدخر أكثر مما هو في حاجة إليه.
أما أوقات الفراغ - وهي كثيرة - فتقضى في طلب العلوم والآداب، يحاول كل إنسان أن يرقى ذهنه بما يقرؤه أو بما يناقش فيه إخوانه.
أندريا وحلمه
«يوحنا فالنتين أندريا»
1
ألماني ومسيحي أيضا، وحلمه يراد به تحقيق المدنية المسيحية كما يتوهمها رجل مؤمن بهذه الديانة، ولكنه - مثل سائر رجال الدين - يفيق كثيرا من حلمه فتغلب عليه لهجة الوعظ الديني، فما يزال يعظ ويعظ حتى يسأم القارئ.
وهو يبدأ حلمه بأن يروي للقارئ رحلة له في البحر حيث تتحطم سفينته على صخور جزيرة هي مسرح هذا الحلم، فقد كان بهذه الجزيرة مدينة: «كريستيانوبوليس» أو المدينة المسيحية، فإذا أراد أن يدخل هذه المدينة امتحنه أهلها أولا في الفضائل والأخلاق والثقافة، ولما لم يروا فيه شيئا مناقضا أذنوا له بالدخول.
Shafi da ba'a sani ba