243

Dokokin Mulkin Mallaka

الأحكام السلطانية

Mai Buga Littafi

دار الحديث

Inda aka buga

القاهرة

حَدُّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرَمًا لِمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ التَّحْرِيمِ، وَبَايَنَ بِحُكْمِهِ سَائِرَ الْبِلَادِ.
قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ [البقرة: ١٢٦] .
يَعْنِي: مَكَّةَ وَحَرَمَهَا، ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: ١٢٦]؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَادِيًا غَيْرَ ذِي زَرْعٍ، فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِأَهْلِهِ الْأَمْنَ وَالْخِصْبَ؛ لِيَكُونُوا بِهِمَا فِي رَغَدٍ مِنْ الْعَيْشِ، فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَا سَأَلَ، فَجَعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ، وَجَبَا إلَيْهِ ثَمَرَاتِ كُلِّ بَلَدٍ حَتَّى جَمَعَهَا فِيهِ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ ﵇، أَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ، عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهَا لَمْ تَزَلْ حَرَمًا آمِنًا بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ ﵇ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُسَلَّطِينَ وَمِنَ الْخُسُوفِ وَالزَّلَازِلِ، وَإِنَّمَا سَأَلَ إبْرَاهِيمُ ﵇ رَبَّهُ سبحانه أَنْ يَجْعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا مِنَ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ، وَأَنْ يَرْزُقَ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ؛ لِرِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ سبحانه حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا أَوْ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرًا، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِي إلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا، أَلَا وَهِيَ قَدْ رَجَعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالْأَمْسِ، أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَمَنْ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَتَلَ بِهَا أَحَدًا فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ تعالى قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكَ" ١.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ مَكَّةَ كَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ ﵇ كَسَائِرِ الْبِلَادِ، وَإنَّهَا صَارَتْ بِدَعْوَتِهِ حَرَمًا آمِنًا حِينَ حَرَّمَهَا، كَمَا صَارَتِ الْمَدِينَةُ بِتَحْرِيمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَرَامًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ حَلَالًا؛ لِرِوَايَةِ الْأَشْعَثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبد الله ورسوله، وإن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها عضاها وصيدها، لا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يقطع منها شجرة إلا لعلف بعير، ولا ينفر صيدها".
وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْحَرَمُ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُبَايِنُ بِهَا سَائِرَ الْبِلَادِ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: إنَّ الْحَرَمَ لَا يَدْخُلُهُ مُحِلٌّ قَدِمَ إلَيْهِ حَتَّى يُحْرِمَ لِدُخُولِهِ، إمَّا بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ يَتَحَلَّلُ بِهَا مِنْ إحْرَامِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا الْمُحِلُّ إذَا لَمْ يُرِدْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ حَلَالًا: "أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي" ٢، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَى دَاخِلِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَكْثُرُ

١ رواه البخاري في كتاب العلم "١٠٤"، ومسلم في كتاب الحج "١٣٥٤".
٢ سبق تخريجه.

1 / 250