310

Hukuncin Alkur'ani

أحكام القرآن

Bincike

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Mai Buga Littafi

دار إحياء التراث العربي

Inda aka buga

بيروت

Nau'ikan

Tafsiri
فَرِيقًا مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ]
وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى [وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ] وقوله [وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ] يعنى بعضكم بعضا وكما
قال ﷺ (أَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ)
يَعْنِي أَمْوَالَ بَعْضِكُمْ على بعض وأكل الْمَالِ بِالْبَاطِلِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغَصْبِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَالْآخَرُ أَخْذُهُ مِنْ جِهَةٍ مَحْظُورَةٍ نَحْوُ القمار وَأُجْرَةِ الْغِنَاءِ وَالْقِيَانِ وَالْمَلَاهِي وَالنَّائِحَةِ وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْحُرِّ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ وَإِنْ كَانَ بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْ مَالِكِهِ وَقَدْ انْتَظَمَتْ الْآيَةُ حَظْرَ أَكْلِهَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا ثُمَّ قَوْلُهُ [وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ] فِيمَا يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ فَيَحْكُمُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ لِيُحِلَّهَا مَعَ عِلْمِ الْمَحْكُومِ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأَبَانَ تَعَالَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ لَا يُبِيحُ أَخْذَهُ فَزَجَرَ عَنْ أَكْلِ بَعْضِنَا لِمَالِ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَهُوَ فِي حَيِّزِ الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ] فَاسْتَثْنَى مِنْ الْجُمْلَةِ مَا وَقَعَ مِنْ التِّجَارَةِ بِتَرَاضٍ مِنْهُمْ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَهَذَا هُوَ فِي التِّجَارَةِ الْجَائِزَةِ دُونَ الْمَحْظُورَةِ وَمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيِ أَصْلٌ فِي أَنَّ حكم له الحاكم بِالْمَالِ لَا يُبِيحُ لَهُ أَخْذَ الْمَالِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ وَبِمِثْلِهِ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ وَالسُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ وَأَشْيَاءَ قَدْ دَرَسَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِرَأْيِ فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحُجَّةٍ أَرَاهَا فَاقْتَطَعَ بِهَا قطعة ظلما فإنما يقطع قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إسْطَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عُنُقِهِ) فَبَكَى الرَّجُلَانِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَقِّي لَهُ فقال ﷺ (لَا وَلَكِنْ اذْهَبَا فَتَوَخَّيَا لِلْحَقِّ ثُمَّ اسْتَهِمَا وَلْيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ)
وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ مُوَاطِئٌ لِمَا وَرَدَ بِهِ نَصُّ التَّنْزِيلِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَهُ بِالْمَالِ لَا يُبِيحُ لَهُ أَخْذَهُ وَقَدْ حَوَى هَذَا الْخَبَرُ مَعَانِيَ أُخَرَ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ كَانَ يَقْضِي بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فيما لم ينزل به وحى
لقوله ﷺ (أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِرَأْيِ فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ)
وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الَّذِي كُلِّفَ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ الظَّاهِرُ وَأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفَ الْمُغَيَّبَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ

1 / 312