5 •••
وهكذا جعل ألسنة أهل المدينة تلهج بذكر الكرم الحاتمي الذي تجلى
6
في فتح أبواب داره للجائعين من الفقراء والمساكين، وقد نسوا أن الكلاب المفترسة التي كانت تتولى حراسة أبواب هذا الغني قد حالت دون دنو أحد من هؤلاء الفقراء الجائعين إلى موائده الشهية.
الذئب في بيت الكلاب
كان ذلك في إحدى الليالي المظلمة، لما حاول الذئب أن يتسلق حائط حظيرة الغنم، وسقط في بيت كلاب حراستها.
فهاجت الكلاب وماجت، ونبحت نباحا عاليا، بينما كانت تتحفز للوثوب عليه لافتراسه.
وسمعهم الحراس، فظنوا أن لصا آدميا قد انسل إلى الحظيرة، فهرولوا إلى أبوابها، وأحكموا إغلاقها، ثم أوقدوا مشاعلهم الشديدة الضياء، واندفعوا يبحثون عن الحرامي اللعين، وبدلا من أن يجدوا لصا آدميا، وجدوا الذئب قابعا في ظئر (ركن)، منتصب الشعر، ساندا ظهره إلى الحائط، ناظرا إليهم بعينين تقدحان شررا، وأنيابه البادية تحت خطمه الشامر، تتهدد بتمزيق لحم كل من تحدثه نفسه بالاقتراب منه للقبض عليه.
وانتهز فرصة تردد الحراس؛ فخاطبهم بلسان معسول، وقال: «خبروني أيها الأصدقاء الأعزاء، ما الداعي لكل هذا الاضطراب واللجب؟ ألست صديقكم القديم! أو بالأحرى أخاكم الحميم؟ لقد أتيتكم بكل عواطف الإخلاص والحب، ولم يخطر ببالي أي خاطر أثيم نحوكم، فلننس ما مضى، والقديم عليه الرديم، ودعونا نتهادن إلى أن نتصالح، وإني أعدكم وعدا صادقا ألا آخذ من خرفانكم بعد الآن، وإذا شئتم أن تتركوا أمر حراسة غنمكم إلي فإني أقسم لكم، بكل ما هو عزيز علي وعليكم إني أحميها وأدافع عنها بكل قواي ...»
وهنا قاطعه رئيس الحراس قائلا: دعنا من كل هذا الكلام المعسول، وأعرني سمعك أيها الأغبر ذا الوجهين! واعلم أني أفهم جيدا طبيعة الذئاب، ويستحيل علي أن أسالم ذئبا قبل أن أنزع عنه جلده وأنيابه؛ لأني سمعت من آبائي وأجدادي: «أن من شب على خلق شاب عليه»، و«أن الطبيعة التي في البدن لا يغيرها غير الكفن.»
Shafi da ba'a sani ba