وكانت كلمته فصل الخطاب فعادوا يستعرضون الماضي السعيد فقال كهل: العم أبو يوسف كان يقبض من موسم الشرانق وحده خمسين عسملية، أي عثمانية. من عند المغارة وحدها كان يستغل بأكثر من عشر ليرات، أتتذكر يا خال قبضة عيد ماريحنا (24 حزيران) عدوها لك قدامي على الحصيرة، كانت فوق الستين ليرة وأكثر. فابتسم أبو يوسف لذكراها الحلوة. وأشار المتكلم إلى الجمهور بلباقة: تفضلوا، اسألوه كم قبض السنة.
فتنهد أبو يوسف وأجاب: سبع ليرات، فقال أحدنا متجاهلا: ذهب أم ورق؟ فصاح أبو يوسف: ذهب يا مجنون! وأين الذهب! ورق ورق، دفعتها مال طريق عني وعن الأولاد، ويا ليتها كانت كافية.
فتنهد أكثرهم عند ذكر الطريق وقال الكهل: وكان أبو يوسف يقبض نحو أربعين ليرة ثمن دخان، كم قبضت يا خال عام أول.
فأجاب ثلاثين ورقة قبض الجابي عني منها 17 ليرة، وأعطاني وصلا بالميرة. فهمس أحدهم في أذن أبي يوسف: يسلم البيدر يا خال، فضحك أبو يوسف وقال: آيه، الحمد لله، السنة طيب، البيدر مليح ولو محل، الجابي لا يجيء صوبه.
فقال واحد: ولكنه يحجز اللحاف والطنجرة. فقال آخر: أيوة، الجابي وقح لا يذكر الخبز والملح. تعشى ونام عند سركيس، وترك له الإنذار تحت المخدة.
فقال أبو يوسف: كله هين متى وجد الخبز (اطلبوا دستور يحمي التنور).
فأعجبتهم كلمته هذه فضحكوا جميعا، وأبو يوسف كالمرحوم والده الخوري موسى يحب السجع. وهكذا عادوا إلى السياسة من حيث لا يدرون، فقال قارئ الجريدة: يطلب البعض جعل النواب خمسة وأربعين، فقال واحد: إذن زادوا واحدا على أم أربع وأربعين، وقال آخر: ما الفائدة لو صاروا مائة وخمسة وأربعين، نحن على ما نحن لا نخطر على بال أحد منهم. كل نائب يفتكر بصحابه، ونحن قش رز، أحسن رأي أن تعتمد الضيع على جريدة تطالب بحقوقها.
فقال ناقم: عجيب، كيف تغيرت الأحكام كلها بعد الحرب.
فقال آخر: عندي شرح المجلة، ولكنهم قالوا لي: إنه صار ملغى. فضحك واحد مشهور بالتنكيت فعلمنا أنها جاءت، فسكتنا ننتظرها فتنحنح وقال: أخذت أم سمعان لابنها كتاب لاهوت عتيق من عند خوري الضيعة، فلما رآه معلمه قال لها : رديه معك يا ستي، هذا بطل، فقالت له أم سمعان: يا ترى المسيح العتيق مات.
فقال لبيب: كما في السما كذلك على الأرض. فكمل واحد ضعيف العقل وهو يظننا نصلي: أعطنا خبزنا كفاف يومنا، فجاءت في موضعها وصح فيه قول المثل اللبناني.
Shafi da ba'a sani ba