وكان الشيخ قابعا في الزاوية فقال لزوجته: دبي للنار بالحطب. فشبت النار وقعدا يصطليانها. وما افتتحا الحديث حتى انقضت صاعقة هزت البيت، فهتفا بلسان واحد: قدوس. قدوس. قدوس.
الغيم يكب ما في جيوبه، وخيول البرق تتراكض يطارد بعضها بعضا فتخترق صميم قلب البيت وتشع فيه شعا. الصواعق كخيل الطراد وأبو شاكر وزوجه يصدانها عنهما بالقدوس والبسملة.
ونقلت السماء رحى حربها إلى الجنوب فقال الشيخ: ترى يخدمنا الحظ ونرمم هذا البيت؟ فكان الجواب صوت صاعقة قاما لها وقعدا. ثم تلتها واحدة أخرى غير مزمجرة، فاطمأن، وأشار بيسراه قائلا: بعيدة عنا.
فأجابت الأم: ومن يدريك أنها بعيدة عن ابننا؟
فأجاب أبو شاكر ساخرا: دائما ابنك، صار ابنك حكيما، وتقولين: ابني ابني. كأن ما في الدنيا أحد غير ابنك، قولي: تعبنا ولقينا. قولي: غدا نفك الرهن ونوفي الدين. العروس غنية.
فتنهدت الأم وقالت: هربنا من الدب وقعنا في الجب.
فصوب أبو شاكر نحو ذقنها شباة أنف ابن حرب، وأشار بهزة رأس وغمزة عين: خير إن شاء الله.
فأطرقت الشيخة وراح الشيخ ينظر إليها ويبرم شاربيه ويفتلهما بيديه الثنتين. ولما استقرت عقارب الساعة على العشرة وعشرة، وأبطأ عليه الجواب نكعها نكعة كادت تقلعها وصاح: قولي لي أي دب وأي جب؟ ابنك وحيد يا مستورة، أهي مصيبة إذا تزوج؟ ما تزوجت أنت؟ ما تزوجت أنا؟ ولكنها قصة الحماة والكنة.
فأجهشت أم شاكر وقالت، وهي تجر الكلمات جرا: عندك للسر موضع؟ فاستضحك أبو شاكر حتى أبدى نواجذه وصاح: هذا آخر زمان. الحرمة تسأل زوجها إذا كان عنده للسر مطرح، نعم عندي، وحق العضرا مريم، عندي قبر لا بئر. فحدقت إليه كأنها تسأله بعينيها الكتمان فصاح ثانية: عندي جهنم الحمرا، قولي يا بنت الحلال.
فتنهدت أم شاكر وقالت: خبرتني الست أسما أن عروس ابننا ترقص على الحبلين. قضت عمرها مع هذا وهذا.
Shafi da ba'a sani ba