Ahadith Mazini
أحاديث المازني
Nau'ikan
والمصري بطبيعته لين العريكة. شديد التسامح. طويل الأناة عظيم الصبر. ولكن فيه عنادا شديدا. ولجاجة قوية فيما يأخذ فيه. وله قدرة عجيبة الاحتمال. وفيه فكاهة يركب بها كل شيء وروح فتية وإيمان عميق. وسوء ظن تركته في نفسه وكادت تطبعه عليه. حقب طويلة من الحكم الظالم المتعسف.
وليس في الوسع بطبيعة الحال أن يرتب الإنسان الخصائص القوية على نحو ما ترتب الكتب على رفوفها. فإنها تتزاوج وتتفاعل ويتسرب بعضها في بعض كما تتسرب الموجة في الموجة. ويكون أثر بعضها أوضح وأبز في حالات منه في حالات أخرى. ولن أعتقد أن ما ذكرته من الخصائص الكبرى هو أبز ما يتميز به المصريون ويختلفون به عن غيرهم من الشعوب ولست تعدم هذه الصفات في أمم أخرى ولكنها في المصريين معرقة في القدم.
وعناد المصريين وقدرتهم على الاحتمال إلى حد حمل البعض على وصفهم بالبلادة. وعادتهم في تهوين الأمور بالفكاهة. وركوب ما يكرهون بها - هذا فيما أعتقد هو الذي حماهم أن يندمجوا في الأمم الأخرى التي فتحت بلادهم وحكمتهم أزمنة مديدة. وصان عليهم شخصيتهم. بل أفنى فيهم الأمم الفاتحة. وذلك على الرغم من عظم تسامحه وفرط اللين في عريكته.
ونستطيع أن نقول أنه لا تناقض هنا. فإن شدة تسامحه مرجعها إلى شعوره الباطن بقوته الكامنة وقدرته على المقاومة إلى ما شاء الله بغير عناء. ولين عريكته راجع إلى الذكاء الفطري الذي يحول دون المغالاة بشيء. ويعين على أخذ الأمور مأخذا سهلا وركوب الحياة بالفكاهة يوسع الصدر ويهون الأمور وييسر الاحتمال. ومتى أطلقت على عدوك نكتة تجعله موضع استهزاء ومضغة في الأفواه فإنك تشعر له باستخفاف ولا تشعر بغضب يحتدم ويدفعك إلى النزق والعمل الأخرق.
ومن هنا نرى الرأي العام المصري يظهر بعاطفته - أي بالإعجاب أو الحب. أو المقت والنفور. أو الاحترام أو الاحتقار - وبحكمه على الأمور ورأيه فيها أكثر مما يظهر بعمله. أي أن الرأي العام المصري يجترئ في الأغلب والأعم بالعاطفة يظهرها. والرأي يبديه. والحكم يتجلى من موقفه ويندر جدا أن يجاوز ذلك إلى فعل يفعله.
وقلما تتغير عاطفته. لأنه يألفها ويحبها. ولأنه ينفر من التحول عما اعتاد كما يدل على ذلك تاريخه الطويل الحافل. ويصعب أني يغير رأيه لهذا. لأن فيه كما أسلفت عنادا ولجاجة. ثم لأنه سيء الظن يتلقى كل جديد أو طارئ بنظرة المستريب غير المطمئن.
وقد قيل فيه أنه سريع النسيان. وقد يكون هذا من التسامح. أو لعله من الإهمال أو الجهل. أو لأنه يشغل بالحاضر عن الماضي. على أني أشك في نسيانه وأرد ما يبدو من ذلك إلى الكسل العقلي. وعسى أن تكون التربية القويمة كافية في علاج ذلك.
وتمتاز سيرة المصري بعمق إيمانه بالقضاء والقدر. وقد طوفت في بلاد كثيرة. وخالطت أقواما كثيرين من غير المصريين فلم أر مثل إيمان المصري بالقضاء والقدر. وأحسب أن هذا هو الذي يكسبه هذا الجلد الذي لا نظير له. ويحمي صبره أن ينفد. ويهون عليه كل ما يعاني ويعينه أيضا على التغلب على ما يكره.
وفكاهته مضرب المثل في البراعة وإصابة المحز وفي سرعة الخاطر بها. ولا أظن أن بي حاجة إلى كلام في هذا. وما أكثر ما محا المصريون أثر عمل. بل ضيعوا رجالا بنكتة. والفكاهة كما تعلمون مظهر لصحة الإدراك. ودقة الفطنة. ولتعدد جوانب النفس. وكثير من فكاهة المصريين لفظي. أي أن مداره على اللعب بالألفاظ المتشابهة أو المقاربة ولكن كثيرا منها معنوي. ينفذ إلى الصميم. ومن ولع المصريين بالفكاهة أنهم اتخذوا من النكتة فنا. وكانوا يتساجلون فيها. ويتبارون وكانوا يعقدون لذلك حلقات. وأكثر ما كانت تشاهد في هذه المساجلات في الأفراح التي كانت تقام في الجيل الماضي . ولا تزال لهذا بقية في الأرياف. وقد انحط هذا الضرب من النكتة حتى صار محفوظا لا فضل فيه للابتكار أو سرعة الخاطر وحضور الذهن. ولكن النكتة المصرية ارتقت بعد أن خرجت من هذا النطاق التقليدي. وعادت من وحي الفطرة وإلهام السجية. ومن اشتهار المصريين بالفكاهة قال فيهم قائل إنه لو كانت الحرب بالنكتة لفتح المصريون لندن.
والفكاهة المصرية مظهر لروح الفن الأصيلة العريقة في المصريين. وقد ينكر البعض أن المصريين مطبوعون على روح الفن. لقلة ما يرون من مظاهرها في عصرنا هذا. ولكنك لا تستطيع أن تنكر على مصر. روح الفن وهذه آثار أجدادهم الأقدمين مازالت قائمة. وليس من المعقول أن ينعدم روح الفن في أمة هذه براعات أسلافها الباقية على الزمن.
Shafi da ba'a sani ba