Ahadith Mazini
أحاديث المازني
Nau'ikan
وتصور كيف يكون إقبال مثل هؤلاء البدو على الحرب وقس إليه ما عسى أن يكون من إقبال غيرهم من أبناء المدنية والترف والبذخ على القتال.. إن الذي يقبل عليه البدوي ليس خيرا فيما تحس نفسه من الحياة التي كان يحياها.
وإذا أضفت إلى هذا فعل العقيدة والإيمان الراسخ بحياة أخرى أطيب وأعز وأكرم فهل يستغرب أحد أن هؤلاء البدو العراة الحفاة الذي لا يملكون إلا السيف والرمح والإيمان المستغرق اكتسحوا دولا كبيرة وممالك عظيمة وهدموا بناء كان يبدوا شامخا.
ولست ترى في الصحراء قبرا أو صوى منصوبة تدل على أن فلانا أو علانا دفن هنا. والناس يعيشون في هذه الصحراء ويموتون فيها ويفنون تحت رمالها ثم لا شيء بعد ذلك. لأنهم لا يعرفون المغالاة بقيمة الحياة إذ كانت لا قيمة لهم عندها ولو أنهم اتخذوا المقابر وأعلوها ورفعوا وعنوا بها وكانت عندهم مقبرة مثل مقبرة «جنوي» التي يزورها الناس ليعجبوا ببراعة الفن فيها لما أمكن أن تخرج من جزيرة العرب تلك الأمة التي انحدرت على العالم المتحضر في زمانها كما ينحدر السيل الجارف فأغرقته ولم تغرقه فقط ولم تفتح البلدان أو تحكمها فحسب بل قلبتها عربية صرفا.
وقد استطاع الفرس أن يحتفظوا ببعض صفاتهم وخصائصهم وبروحهم القومية - كما لم يستطع البيزنطيون أن يفعلوا فيما استولى العرب عليه من بلادهم - لأن الفرس كانوا أقل تخنثا من البيزنطيين.
ولست مؤرخا ولكني أظن أن هذا هو السبب يضاف إليه أن البلاد التي فتحها العرب من دولة الأكاسرة كانت فارسية وأهلها من الفرس على خلاف ما فتح العرب من بلاد الدولة الرومانية فإنها كانت أجنبية لا رومانية ولا بيزنطية فبقاء الشعور القومي في بلاد فارس طبيعي ومعقول والفتح لا يمكن أن يقتله وانعدام مثل هذا الشعور فيما فتحه العرب من أملاك الدولة الرومانية معقول أيضا لأنه لم يكن هناك في الأصل. ولهذا بقيت فارس شوكة في جنب الدولة العربية.
وقد زرت العراق وسورية - كما زرت الحجاز فلم أستغرب أن ينتقل مركز الثقل في الدولة العربية من الحجاز إلى غيرها. فإن طبيعة الأراضي الحجازية تجعل من المستحيل عليها أن تكون مقر دولة مترامية الأطراف عظيمة الرقعة نعم تستطيع بسهولة أن تحتفظ باستقلالها وعزتها ولكنها لا تقوى على حكم أقطار أخرى بعيدة.
وقد بقى الحجاز مقر الدولة العربية في صدر الإسلام وعلى عهد الخلفاء الراشدين.
ولكن هذا كان زمن التوسع والامتداد لا زمن الاستقرار والنظام الدائم فلما انتهت الفتوحات أو معظمها وأهمها وصارت الفتوح بعد ذلك عبارة عن توسع طبيعي لدولة مستقرة تغريها ما أنست من نفسها من القوة والبأس والشوكة بالتوسع والزحف وتدفعها مقتضيات المحافظة على ما في اليد إلى هذا الزحف صارت جزيرة العرب لا تصلح أن تكون هي مركز الدولة.
أما في زمن أبي بكر فقد كانت الحاجة تدعو إلى توطيد الأمر في قلب الجزيرة أولا قبل إمكان التفكير في غيرها.
وأما في زمن عمر فقد كانت الجيوش تزحف فلا يعقل أن تنقل العاصمة قبل أن يستتب الأمر. نعم فتحت البلاد في عهده ولكن الفتح يستدعي التمكين والتوطيد أولا. ثم إن عمر كان يشق عليه أن يخرج من الجزيرة وكانت صلته بالنبي
Shafi da ba'a sani ba