وولى ماعرفناه
قصري
بنت الخلود
الآمال الضائعة
جزيرة النسيان
في سبيل الحب
روضة الحب
الشوق
الربيع
لست منهم
ذكرى لبنان
روحي وخليني
فراشتي
غروب شمس الحياة
الحنين إلى صنين
هل تذهبين
النسر
أنفس الشعراء
إلى لبنان
من خلال الضباب
خيمة الناطور
لم نزل
ألم ترني
المسافر
عهد الهوى
مرور الزمان
يا ثلج
كانت صافية
بوادي الحمى
السطر الغامض
شعري وإقلالي
النفس الهاربة
دق يا قلبي
هكذا يفنى زماني
معنى الحياة
الشاعر
وادي الجماجم
الأعمى
الدرويش
هي الدنيا
الضوء البعيد
وولى ماعرفناه
قصري
بنت الخلود
الآمال الضائعة
جزيرة النسيان
في سبيل الحب
روضة الحب
الشوق
الربيع
لست منهم
ذكرى لبنان
روحي وخليني
فراشتي
غروب شمس الحياة
الحنين إلى صنين
هل تذهبين
النسر
أنفس الشعراء
إلى لبنان
من خلال الضباب
خيمة الناطور
لم نزل
ألم ترني
المسافر
عهد الهوى
مرور الزمان
يا ثلج
كانت صافية
بوادي الحمى
السطر الغامض
شعري وإقلالي
النفس الهاربة
دق يا قلبي
هكذا يفنى زماني
معنى الحياة
الشاعر
وادي الجماجم
الأعمى
الدرويش
هي الدنيا
الضوء البعيد
أغاني الدرويش
أغاني الدرويش
تأليف
رشيد أيوب
وولى ماعرفناه
وقفنا عند مرآه
حيارى ما عرفناه
عجيب في معانيه
غريب في مزاياه
له سربال جواب
غبار الدهر غشاه
ووجه لوحته الشم
س غارت فيه عيناه
سألنا الناس من هذا
فقالوا يعلم الله
فلا ندري بما فيه
ويسهو إن سألناه
كأن في صدره سر
وذاك السر ينهاه •••
إذا ما جنه ليل
ترامت فيه نجواه
فيرعى النجم إذ يبدو
كأن النجم مغناه
تراه إن سرى برق
تمناه مطاياه
وإن أصغى لصوت النا
ي أشجاه وأبكاه
إذا أعطيته شيئا
أبت جدواك كفاه
وفي الدنيا لأهليها
حطام ما تمناه •••
ألا يا ساكني الدنيا
تعالوا استنطقوا فاه
سلوه ربما المسكي
ن سوء الحظ أقصاه
فقالوا إنه صب
وفرط الحب أضناه
وقالوا شاعر يشكو
فما تجديه شكواه
وقالوا زاهد لما
رأوه عاف دنياه
ومنهم قال درويش
غريب ضاع مأواه •••
سألناه بلا جدوى
وولى ما عرفناه
قصري
قصري بناه الوحي رحب المجال
في القبة الزرقاء منذ الوجود
فارقصن فيه يا بنات الخيال
يا حبذا منكن هز القدود
وامرحن في ساحات ذاك الجمال
والبسن من تلك الدراري عقود
تلوح في دهم الليالي الطوال
علامة للنفس في زهدها
وا لذة العيش برعي النجوم
بين أسى الشاكي ورشف المدام
إذ تطرد الأحلام جيش الهموم
إذ تنجلي الآمال تحت الظلام
دبي رعاك الله بنت الكروم
وغلغلي في القلب حتى ينام
على بساط مد فوق الغيوم
حاكته أيدي النفس من وجدها
ما تنفع الشكوى ودمعي بحور
جفت حياة سل منها الشباب
لم يبق منها الدهر إلا قشور
لولا قليل أودعوها التراب
لكن في قصري وراء البدور
باق إلى يوم النشور اللباب
قد وفرته النفس قبل العبور
من هذه الدنيا إلى مهدها
يا عاذلي في سهد ليلي الطويل
ولائمي لما أطلت النواح
دعني فما لي غير هذا السبيل
فمن حواشي الليل يبدو الصباح
فإن رأيت الدمع مني يسيل
فذا بشرع الحب عين الصلاح
أو قلت قصري ما عليه دليل
أقصر وخل النفس في رشدها
من أين حسن الزهر لولا السواد
هيهات لولا الصبر عيش يطيب
يا قلب والآمال أحلى وساد
لمن بهذا الكون أمسى غريب
نم آمنا من بعد هذا السهاد
فإن ما ترجوه خلف المغيب
ومن رأى الدنيا بعين الرشاد
حاشاه أن يبكي على فقدها
أنا على دربي بظل الأمان
أشدو كدرويش غريب شريد
وكل يوم لي برغم الزمان
فوز على الدنيا وعيش رغيد
حتى إذا ما نام هذا الجنان
لحقت أحلامي بقصري البعيد
إذ ألتقي بالنفس حول الجنان
فالنفس ما زالت على عهدها
بنت الخلود
عطشت زهرة روحي
وذوت بنت الخلود
فسقتها من جروحي
ها هنا أيدي الوجود
وشعوري •••
إيه يا صبري قليلا
ثم نجتاز الطريق
لا تفارقني عليلا
أنت يا نعم الرفيق
في المسير •••
ما ترى الأشجار لبت
وهي في فصل الخريف
كلما الأرياح هبت
قابلتها بالحفيف
بسرور •••
نحن في وادي الغياهب
قصدنا تلك المروج
حيثما زهر الكواكب
في سما الحب تموج
كالبحور •••
خلها تروي ظماها
من ندى ليل طويل
هي نفس لو تراها
مثل نيران الخليل
بالسعير •••
حبذا أشباح ليلي
في جفوني قد أقامت
في نهاري هي حولي
وإذا ما نمت نامت
في ضميري
الآمال الضائعة
جلست بقرب شباكي
أردد طيب ذكراك
وأطوي بيد أحلام
كبت فيها مطاياك
وفيما النفس حائمة
ترفرف فوق مغناك
تفجر في الدجى برق
تلاه مدمعي الباكي
أتاركتي أخا سهر
متى عهدي بلقياك؟
إذا خطرت على بالي
أويقاتي وإياك
ورحت أعاتب الدنيا
جلست بقرب شباكي
جزيرة النسيان
أرغى المشيب وأزبد
وابيض ما كان أسود
فقلت هذا حسابي
مع الزمان تسدد
ورحت في الحلم قصري
فوق النجوم مشيد
والمرء لولا الأماني
تموت فيه وتولد
لما رأيت عليها
إلا الحزين المنكد •••
فقد فرق الدهر بيني
وبين عزمي وبعد
وهان عزي لديه
والدهر إن لنت يشتد
وخانني البال حتى
كأنني اليوم جلمد
نسيت ما كان مني
في ما يذم ويحمد
ومن تعود رغدا
إن يمرر العيش يزهد •••
وبينما أنا يوما
جزيرتي أتفقد
وجدت فيها كتابا
خط الشباب المبدد
إمضاء دمعي عليه
وأنجم الليل شهد
كم نحت في الحب نوحا
صداه باق يردد
وقلت في الشوق شعرا
ما زال يتلى وينشد •••
وفيت للحب دينا
ومن يف الدين يسعد
أيام كان فؤادي
كجمرة يتوقد
فراجعي يا ليالي
ما في السجل المخلد
تري بأول سطر
بجانب اسمي مقيد
ما زال في الأرض حيا
وفي سما الحب فرقد
في سبيل الحب
هذا حديث رواتها
عنها وعن عاداتها
فاسمع لمن عرف الحيا
ة وخاض في غمراتها
قد كنت في جيش الصبا
بة حاملا راياتها
أهوى الليالي كيفما
جاءت على علاتها
فلكم شربت الراح صر
فا من أكف سقاتها
وأجبت داعي النفس بال
إعراض عن شبهاتها
والنفس تأبى إن سمت
ما زاد عن حاجاتها
فصفت لي الأيام حتى
لحت في مرآتها
وحسبت ذاك العيش في
دنياي من حسناتها •••
مرت ليال لم أزل
ألهو بتذكاراتها
هي نشوة تأتي إلى ال
شعراء في ميقاتها
والقلب في لفتاته
والنفس في خلواتها
لا أذمم الدنيا إذا
ما غيرت حالاتها
فإذا مضى زمن الشبا
ب وغاب في طياتها
هي عادة تجري بها ال
دنيا إلى غاياتها •••
أنا في سبيل الحب أه
وى العين في عبراتها
والطير إن ناحت على ال
أغصان في غدواتها
والريح يحيا العاشق ال
مشتاق من نفحاتها
والليل أصغي فيه لل
أفلاك في رناتها
أنا أعشق النفس التي
تلتذ في حسراتها
روضة الحب
الحب في عينيك آثاره
بادية كالأنجم الزاهره
إذ ليس غير الحب من غارس
بنفسجا في أعين فاتره
وزارع الخدين من نرجس
يسقيهما من كفه الساحره
صيرك الحب له روضة
أزهارها فواحة عاطره
فإن رأيت الطير تشدو على
أغصانها الميادة الناضره
لا تعذلي النحلة إن دندنت
حائمة مشغوفة حائره
الشوق
وليل به سرج النجوم ضئيلة
أنرت دجاه في لظى زفراتي
ولا مؤنس فيه سوى صوت خافق
تردده أحشاي في الظلمات
أحن إلى الوادي إلى منبع الصفا
إلى نهره الشادي إلى الهضبات
فينسل مني الشوق كل مرنة
تقلدها الورقاء بالنغمات
وهذي سجلات الهوى ومآثري
تحاكي مدب النمل في الصفحات
الربيع
مرحبا ذبنا اشتياقا يا ربيع
يا خفيف الروح أهلا مرحبا
كلما ضاء محياك البديع
هبت الأرض تباهي الكوكبا
ومشى في سفح أضلاعي صريع
مات لولا ذكر أيام الصبا
عجبا تمضي زمانا وتعود
وربيعي قد مضى لم يرجع
من ترى أنباك أسرار الخلود
فتوقيت الردى لم تصرع •••
أم هي الأرض التي تبغي البقا
عرفت كيف البقا بالاقتصاد
فأبت عن حكمة أن تنفقا
ما لديها حسنا حتى المعاد
واكتست ثوب بهاء مورقا
ما له ما دامت الدنيا نفاد
يا له ثوبا موشى بالورود
كل عام يرتدى لم ينزع
حبذا لو كان لي منه برود
كنت أرويها إذن من أدمعي •••
ما أحيلى وجهك الصافي الجميل
رصعته بالندى أيدي الدهور
رب نفس سجنت دهرا طويل
مثلما يسجن مصداح الطيور
أصبحت مطلقة بعد الكبول
تغتذي ريح الموامي والصخور
فهي لم تخلق لترسو بالقيود
لا ولا قد صنعت للبرقع
عجبا في هذه الدنيا النقود
حجبت إحدى النجوم اللمع •••
يا ربيع الأرض يا نعم الدوا
لنفوس ما لها إلا الهموم
حيثما تنشر منها ما انطوى
وتذريه إذا مر النسيم
ويح أهل العشق أرباب الهوى
خلقوا في الكون كي يرعوا النجوم
قسمت أرزاقهم قبل المهود
وقفوا في كل دار بلقع
حفظوا للناس في الدنيا العهود
إنما حفظهم لم ينفع •••
عطري يا زهر أذيال الرياح
إن سرت فوق الرياض القشب
أودعيها كلما لاح الصباح
أرجا يغنى به عن كتبي
غربة أمست حياتي وانتزاح
ومناجاة ورعي الشهب
فإذا ما لاح للصبح عمود
بعد ليل كغراب أبقع
قلت في نفسي وللنوم صدود
أوحتى غربة في مضجعي •••
أنا لولا ذكر أيام الصبا
قلت يا نفس إذا شئت اذهبي
غير أني كلما هبت صبا
أنعشت قلبي بذكر طيب
لا أبالي إن حللت المغربا
طالما شمس المنى لم تغرب
فحياة المرء في هذا الوجود
رغبة النفس وعت أو لم تعي
وبكائي للأولى طي اللحود
كعزائي بالأولى باتوا معي
لست منهم
لما أشاعوا بأني
عجزت من كبر سني
وما لدي حطام
وما بنفسي تمني
وفاخروني بمال
والمال هيهات يغني
ضحكت منهم ولكن
عليهم زاد حزني
لو ينظرون بعيني
ويسمعون بأذني
عافوا سليمى وجاؤا
ليأخذوا الزهد عني
لكنني لست منهم
كلا ولا هم مني •••
ورحت والشعر دأبي
ومنزل الوحي كني
إن جن ليلي أناجي
أو ذر فجري أغني
بلى وربة شعري
كوخي كجنة عدن
ذكرى لبنان
اذرفي
يا عين دمعي فالهوى متلفي
واسعفي
لعل نارا في الحشا تنطفي •••
يا غرام
يحلو لمثلي فيك فرط السقام
لا يلام
من يحفظ العهد ويرعى الذمام
فالمقام
مقام أرواح عليها السلام
فاختف
يا مدعي الحب ولم يدنف
فالوفي
من يبذل النفس ولم يكتف •••
هل يعود
عيش قطعناه بتلك الصرود
أو تجود
هذي الليالي بانتظام العقود
كي نرود
في سفح صنين مقر الجدود
فانصفي
أيتها الدنيا غريبا وفي
واعطفي
على فتى في الحب مستهدف •••
لا براح
من غربة أودت به وانتزاح
ما استراح
من يرصد الأفلاك حتى الصباح
يا رياح
عودي إذا ما جئت تلك البطاح
شنفي
سمعي ومن حدثت منهم صفي
تشتف
روحي بمعناك اللذيذ الخفي •••
يا نوى
إن كان قلبي بالغرام اكتوى
والتوى
ظهري ورثت في المشيب القوى
ما انطوى
بساط آمالي ورب الهوى
فاعرفي
لا شيء عن لبنان مستوقفي
فهو في
وغيره في الأرض لم أصطف
روحي وخليني
إذا دنا أجل الظلماء وافيني
يا نجمة الصبح يا سلوى المساكين
أقضي الليالي وعيني فيك ساهرة
كأنما كان في مغناك تكويني
هذي الرياض سلي عني بلابلها
كم رددت في الهوى نوحي وتلحيني
يا نجمة الصبح والدنيا بها نوب
إني دعوتك للجلى فسليني
حتى إذا أشرقت شمس لمرتزق
على طريق الردى، روحي وخليني
فراشتي
ماذا تقول فراشتي
إن رفرفت عند الصباح
ورأت محاسن روضتي
أودت بها هوج الرياح
فتناثرت أزهارها
منها وفر هزارها؟ •••
ماذا تقول إذا أتت
من لم أجد عنها براح
ورأت كمنجتي التي
من كثر شوقي والنواح
قد فجرتها نارها
فتقطعت أوتارها؟ •••
يا ليت شعري ما تقو
ل إذا أتت ذات الوشاح
ودرت بأن روايتي
في مسرح الغيد الملاح
قد أسبلت أستارها
وقد انتهت أدوارها؟
غروب شمس الحياة
دنت المنية وانقضى عمري
ونسيت ما قد كان من أمري
غابت رسوم في مخيلتي
كانت تضيء كأنجم زهر
وخبا فؤاد كان مشتعلا
بالحب مثل النار في صدري
ودوي نفسي الآن خارجة
مني دوي الموج في البحر
ماذا إذا رفع الحجاب غدا
ألقى وقد أصبحت في القبر؟
قد كنت حتى الأمس مصطحبا
عزمي، شعوري، همتي، لبي
إن قمت قام الحب في أثري
أو نمت نام الحب في جنبي
وإذا بكيت بكيت منتحبا
وإذا ضحكت ضحكت في قلبي
فحسبت نفسي في الهوى ملكا
قد توجته إلهة الحب
واليوم قد أصبحت منفردا
لم أدر كيف تفرقت صحبي
أنفقت هذا العمر مكتئبا
وقطعت هذا العيش بالركض
ودرجت في الدنيا على أمل
باق ولو غيبت في الأرض
ما ضر نفسي والحياة مضت
فإلى حياة غيرها تمضي
فالنفس من أخلاقها أبدا
إبدال ذاوي الغصن بالغض
والعين إن طال السهاد بها
عند الضحى حنت إلى الغمض
دنيا، وداعا إن ثويت غدا
وتقطعت في القبر أوصالي
وتساءلت عني الطيور وقد
تاقت إلى شدوي وإعوالي
ورياضك الغناء قد عجبت
مني بأني مغرم سال
قولي بأني قد رحلت إلى
حيث الحمام يفك أغلالي
ولحقت آمالي فقد سبقت
قدما غروب الشمس آمالي
الحنين إلى صنين
أفيقي كفاك منام
بدا الفجر كم تهجعين
وقامت لتنعي الظلام
طيور ألا تسمعين؟ •••
فقومي نجد المسير
إلى الحقل قبل الضحى
ونشدو بشاطي الغدير
فها جونا قد صحا •••
وهيا اسمعي فالرعاة
وقطعانهم في الجبال
ألا ما أحيلى الحياة
بأرض البها والجمال! •••
حبيبة قلبي أتى
زمان الجنى والحصاد
أفيقي فحتى متى
لقد طال هذا الرقاد •••
وهبي فصافي النسيم
بصنين قد هينما
لنمشي معا فالنعيم
بلبناننا أينما •••
بدا الفجر حان اللحاق
فقومي لننفي الهموم
أفيقي فإن الرفاق
مشوا قبلنا للكروم •••
تجلى لنفسي السفر
فقلت لها «بعد حين»
فسيقت بموج القدر
وضاعت ببحر السنين
هل تذهبين
يا هند قد فسد الزما
ن وراج قول المرجف
فهلم نذهب في الظلا
م إلى الجبال ونختفي
هل تذهبين؟
وهناك نسرح مثلما ال
أطيار تسبح في الفضا
متوكلين على المقا
در صابرين على القضا
كالزاهدين
أو نمتطي طيارة
ونطير في الجو الفسيح
متمتعين كما نشا
ء بحبنا الصافي الصحيح
في كل حين
يا هند هذي نجمة
غراء لامعة الجبين
غمازة فكأنها
تدعو إليها العاشقين
هل تذهبين؟
النسر
هات حدثنا بآيات الطيور
أيها السلطان
وبما قد كان في ماضي العصور
من عظيم الشان
لك ملك ليس تمحوه الدهور
ثابت الأركان
عشقتك النفس في هذا الجلال
أيها الجبار
وقفة منك على هذي الجبال
كلها أشعار •••
من ترى أنباك أسرار النعيم
من ترى أنباك
سابحا في الجو حرا كالنسيم
والذرى مأواك
منصتا تسمع في الليل البهيم
رنة الأفلاك
أيها السابح في بحر الخيال
فيك عقلي حار
نسب ما بيننا بالاعتزال
مع بعد الدار •••
أنت حر شاعر أنت أمير
في الورى محسود
فهنيئا لك في الجو المطير
والمدى محدود
لست مثلي تائها فوق الأثير
في الليالي السود
حائرا أقضي ليالي الطوال
أنشد الأسرار
أبتغي عند السهى ما لا ينال
من يد الأقدار •••
ملك الأطيار بلغت المنى
في حمى مأمون
فكلانا طائر لكن أنا
طائر مسجون
ما له عن مذهب الناس غنى
قلبه محزون
قيدوه قيدوا منه الجمال
قيدوا الأفكار
هي دنيا كلها مال بمال
يا أبا الأحرار
أنفس الشعراء
إلى «مواكب» جبران
لما بدا البرق في الظلماء ملتهبا
وراح يطوي فضاء الله واحتجبا
ناديت ربي وطرفي يرقب السحبا
رباه يا خالق الأكوان وا عجبا
كم تشبه البرق هذا أنفس الشعرا •••
يا ليل مهلا ولا تشفق على بصري
فما تعودت فيك النوم من صغري
يا ليل مهما تطل لا بد من سهري
حتى يودع طرفي نجمة السحر
تلك التي عشقتها أنفس الشعرا •••
دعه يغيض بلج الكأس أدمعه
فقد تذكر نائي الدار أربعه
وهات عودك واضربه ليسمعه
لكن توق رعاك الله أضلعه
تلك الأضالع فيها أنفس الشعرا •••
سل الكمنجة معنى أنة الوتر
والريح إن هينمت سلها عن الخبر
والطير إن بكرت تشدو على الشجر
سلها وسل كل روض زاهر عطر
تجبك يا صاح هذي أنفس الشعرا •••
يا هائما بابنة العنقود تطربه
منها الحميا وفعل الراح يحسبه
استغفر الله مما بت تنسبه
للراح إن الذي في الكأس تشربه
يا صاحبي رشحته أنفس الشعرا •••
طوباك يا ساكنا في الغاب تؤنسه
إلهة الشعر والأشباح تحرسه
يضم كل لطيف الروح مجلسه
ملآنة من صفا الأيام أكؤسه
وحوله تتغنى أنفس الشعرا •••
لله «ناي» سبتنا روح صاحبه
حتى وقفنا حيارى عند واجبه
فصحت والليل زاه من كواكبه
يا نافخ الناي يحدو في مواكبه
بنغمة الناي هامت أنفس الشعرا •••
يا نسمة في مروج الحب نافحة
حيث الحمائم لا تنفك نائحة
ناشدتك الله إن باكرت سائحة
عند السواقي بجو الروح سابحة
فهينمي تترنح أنفس الشعرا
إلى لبنان
قولوا لمن سبتني
والحب قد سقتني
والنوح عودتني
قد شفه الجوى •••
أضحى من الغرام
جلدا على عظام
يرتاح للمدام
من حرقة النوى •••
إن هزه التذكار
وفاضت الأشعار
ترمي به الأقدار
في مهمه الهوي •••
متى ترى التلاقي
قد لج بي اشتياقي
يا معشر العشاق
بالله ما الدوا؟
من خلال الضباب
نظرت وكلي عيون
إلى رائعات الجمال
ولما دهتني الشجون
شددت إليها الرحال
فساد بقلبي السكون
وتاه بنفسي الخيال
إلى حيث ألقى السلام •••
أيا ليل يا ابن الدهور
بربك لا تنجل
فظلامك رشد ونور
لدى الشاعر المختلي
أمان وراء البدور
بها قلبه ممتلي
فمهلا، ألا يا ظلام •••
غرامي بتلك الشموس
وأنوارها لا تغيب
فكيف أخاف البئوس
وروحي بمرعى خصيب
ألا شعشعي يا كئوس
فما للرزايا نصيب
وزدني شجى يا غرام •••
غناء يليه نواح
ولحن قريب بعيد
فيا عندليب الصباح
ألا اصغ لقلب شريد
كذا انصتي يا رياح
إلى أن يتم النشيد
وحتى المغني ينام •••
لقد مات شخص الشباب
وغطى الدجى مقلتيه
لماذا أنادي السحاب
ليبكي انتحابا عليه
أنا من خلال الضباب
سريعا أسير إليه
كحلم سرى في المنام
خيمة الناطور
لظلام الليل فضل في الحياة
مثلما للنور
أين لولا الليل حسن النيرات
أيها المغرور
فخذ الدنيا وما فيها وهات
خيمة الناطور
حيث أدنو في ليالي الطوال
من حمى الإلهام
وترى عيناي في أرض الخيال
روضة الأحلام •••
إن عهدي بالسهى للعاشقين
منهلا مورود
يا بنات النعش اسعفن حزين
حظه مفقود
هائما يقضي الليالي يستعين
بابنة العنقود
هو صب مذ قضى دور الغرام
عاش بالتذكار
وإذا ما جنه داجي الظلام
أنشد الأشعار •••
هينمي يا ريح من فوق القبور
لا يعي الوسنان
واخفقي ما شئت من فوق القصور
صمت الآذان
ليس يدري غير أصحاب الشعور
حرقة الولهان
هذه الدنيا فخذها يا غني
واملك المعمور
أنا لو خيرت منها فاعطني
خيمة الناطور •••
يا لنفس في الهوي ما برحت
تذكر الأحزان
تلك أيام الصبا قد نزحت
ومضت أزمان
وإذا الخمسون مرت رجحت
كفة النسيان
فتعالي هو ذا درب الصواب
خيمة الناطور
وابشري يا نفس في حسن الثواب
عند نفخ الصور
لم نزل
في حمى الخمسين قلبي
إن أنا غنيت أنا
وإذا ما رحت أبكي
راح قلبي يتغنى
حار هذا الدهر فينا
إذ رأى ما كان منا
لم نزل في ظل عيش
مستطاب نتهنا
وسنبقي ما حيينا
مثلما من قبل كنا
ألم ترني
ألا ليت لي ما قد دعاه بنو الورى
حطاما فأعطي البائسين وأنفح
سموح هو المرء المفرق ماله
ولكن من يعطي من القلب أسمح
ألم ترني والدهر أصمى حشاشتي
أعلم ورقاء الحمى كيف تصدح
إذا صلحت بالمال نفس فإنها
بإعطائها مما لديها لأصلح
فما المال إلا بعد موتك بارح
وما الجود إلا صنع ما ليس يبرح
المسافر
دعته الأماني فخلى الربوع
وسار وفي النفس شيء كثير
وفي الصدر بين حنايا الضلوع
لنيل الأماني فؤاد كبير
فحث المطايا وخاض البحار
ومرت ليال وكرت سنون
ولم يرجع
وألقى عصاه وحط الرحال
بأرض الأشاوس والأشبل
تنم عليه فعال الرجال
كما نمت الريح بالمندل
وراح يغني بصفو الزمان
غناء البلابل فوق الغصون
على مسمعي
فمرت سعود وجاءت نحوس «وقد نصل الدهر صبغ الشباب»
فعلل نفسا رمتها البئوس
ببحر هموم علاه الضباب
أيا نفس، صبرا لحكم القضا
ويا نفس مهما دهتك الشجون
فلا تجزعي
فما بال نفسي بنت الخلود
تخاف الخلود وتأبى الذهاب
وقلبي الخفوق عراه الجمود
أيخشى التراب ابن هذا التراب
وبات المسافر في حيرة
بمعنى الحياة وسر المنون
ولم يهجع
أيا جيرة الحي أين الطريق؟
فإني ضللت عن المنزل
لقد كان لي في حماكم رفيق
من المهد في الزمن الأول
فغضوا العيون وفيها الدموع
فحار فؤادي بتلك العيون
وفي الأدمع
وقالوا: رأينا شريدا يجول
بعيدا عن الناس في معزل
يبيت الليالي يؤم الطلول
ويبكي على عهده الأول
فقلنا: دعوه عراه جنون
ومرت ليال وكرت سنون
ولم يرجع
عهد الهوى
سمعت همس القلب في ليلة
ليلاء قد ساد عليها السكون
ومهجتي عند السهى سائحة
فقلت «ماذا» قال «عهد الهوى»
الله! كم مرت عليه سنون
كأنه في الليلة البارحة •••
ونام قلبي تاركا دمعة
تجول طول الليل بين الجفون
كنجمة في أفقها سابحة
حتى إذا لاح الصباح انزوت
في مقلتي كي لا تراها العيون
لكن لمن يدري الهوى واضحة
مرور الزمان
لماذا الضجيج وماذا الخبر؟
فقالوا: قريبا يمر الأمير
فلما رأيت جميع البشر
يضجون جهلا لأمر حقير
وقفت بعيدا بعين الفكر
أراقب وحدي مرور الزمان •••
خلوت بنفسي في غرفتي
ولي مع نفسي حديث طويل
فلما عكفت على حرفتي
أطالع كتبي بصبر جميل
سمعت خلال السطور عبر
تقول تأمل مرور الزمان
سألت المقابر هل يشعر
ضجيع التراب وضيف القبور
فهمت لتكتب ما تضمر
وأوشكت أقرأ تلك السطور
إذا بسكون يسود الحفر
تيقنت منه مرور الزمان •••
وجئت إلى البحر عند المسا
وللموج عندي غرام شديد
فقلت بربك ماذا عسى
تقول ففسر معاني النشيد
فقال: أأنت عديم البصر
فإني أحيي مرور الزمان •••
ولما التفت لأوج السما
وشاهدت أنجمها الساهرة
هتفت وقد نام أهل الحمى
ونفسي بما في السما حائرة
أتخشى الشموس أيخشى القمر
أتخشى النجوم مرور الزمان؟ •••
عجبت لمثر جهول ثقيل
وغير الدراهم لم يعبد
وأعجب منه غني بخيل
يجور على البائس المجتدي
فيا ليت شعري أمات الحذر
أما يخشيان مرور الزمان •••
زرعت المحبة وسط القلوب
ولم أدر أني زرعت الخيال
فهبت عليها رياح الجنوب
وهبت عليها رياح الشمال
فلم يبق مما زرعت أثر
ليشهد مثلي مرور الزمان •••
هي النفس تاهت برحب الفضا
وحلت بأرض الشقا والهموم
وها هي تعنو لحكم القضا
وتنظر في ما وراء الغيوم
وترجو انقضاء الشقا بالسفر
لذاك تحب مرور الزمان
يا ثلج
يا ثلج قد هيجت أشجاني
ذكرتني أهلي بلبنان
بالله عني قل لإخواني:
ما زال يرعى حرمة العهد •••
يا ثلج قد ذكرتني الوادي
متنصتا لغديره الشادي
كم قد جلست بحضنه الهادي
فكأنني في جنة الخلد •••
يا ثلج قد ذكرتني أمي
أيام تقضي الليل في همي
مشغوفة تحار في ضمي
تحنو علي مخافة البرد •••
يا ثلج قد ذكرتني الموقد
أيام كنا حوله ننشد
نعنو لديه كأنه المسجد
وكأننا النساك في الزهد •••
يا ثلج أنت بثوبك الباهر
ونقائه كطوية الشاعر
لو كنت تدري الناس يا طاهر
لبعدت عنهم أيما بعد •••
لو لم تذب من زفرة القلب
أو دمعي المنهال كالسحب
لبنيت منك هياكل الحب
وحفرت في أركانها لحدي •••
يا ما أحيلى النجم إن لاحا
والثلج يكسو الأرض أشباحا
والشاعر المسكين نواحا
يقضي الليالي فاقد الرشد! •••
إن كنت تجهل أنت في يسر
أو كنت تعلم أنت في عسر
أنا لا أظن رواية العمر
أدوارها هزل بلا جد •••
يا نفس نادي صاحب العرش «يا رازق النعاب في العش»
وتدرعي بالصبر ثم امشي
لا بد بعد الجزر من مد
كانت صافية
آه وا شوقي لأيام الصبا
كشعاع الشمس كانت صافية
كنت إن أحدق بي جيش الضنى
ألتقيه بجيوش العافية
وإذا في العشق عني حدثوا
قيل لا تخفى عليه خافية
صرت إن مرت نسيمات الصبا
لاعتلال الجسم كانت كافية
وإذا أنشدت شعرا في الهوى
قيل عنه جرفته القافية
بوادي الحمى
إلى كم أقاسي الغرام
وقلبي بجنبي جريح
أنفسي كفاك هيام
أما آن أن نستريح؟ •••
ذكرت لنفسي السفر
فغنت بذكر الربوع
وخلت بقلبي أثر
وفي العين مني دموع •••
إذا ما دهاني الأسى
وعز علي النظر
ذكرتكم في المسا
وناجيتكم في السحر •••
بلى بعد هذا البعاد
آلا سجلي يا سما
أنا في أقاصي البلاد
وروحي بوادي الحمى
السطر الغامض
في سجل الأرض سطر
غامض بين السطور
ليس يدري ما حواه
غير أصحاب الشعور
ولقد ماتوا جميعا
وتواروا في القبور
ليت شعري أفيبقى
غامضا حتى النشور؟
حيثما يبدو جليا
في سما الله كنور
شعري وإقلالي
عجبت لها لا تستقر على حال
فيا شد ما تلقاه يا جسدي البالي
تغرد في الظلماء حول قصورها
وعند انبثاق الفجر تبكي بأطلال
فيا لك من نفس أبيت لأجلها
بشاخص طرف في الكواكب جوال
ومن كان مثلي يجعل الشعر سلما
لنيل أماني النفس يزهد بالمال
ورب امرئ عال يرى الناس دونه
وإن كان بين الناس منخفض الحال
إذا كان فقري من شعوري ناتجا
فمت يا غنى وليحي شعري وإقلالي
النفس الهاربة
ضربنا بقرب السواقي الخيام
وبتنا هناك بظل السلام
إلى أن تجلى لنفسي الغرام
ففكت سلاسل أغلالها
وألقت إلي بأثقالها •••
تمشت إلى الروض عند الصباح
يموج على منكبيها الوشاح
فأصغت إلى هينمات الرياح
وسارت على درب آمالها
تمس النجوم بأذيالها •••
تغنت بلحن بعيد القرار
كهمس السواقي وشدو الهزار
فلما توارت وشط المزار
ترى هل خطرت على بالها
بدنيا الهموم وأهوالها؟ •••
آلا أين كأسي وهاتوا الشمول
لأنعش قلبا عراه الذبول
آلا ليت شعري أما من رسول
يذكر نفسي بأطلالها
وأن غناها بإقلالها •••
فغن فؤادي إلى أن نعود
كفانا بأنا رعينا العهود
ليال تمر بهذا الوجود
وإدبارها مثل إقبالها
وصفو الحياة كبلبالها
دق يا قلبي
عندما البلبل في وقت السحر
يتغنى مطلقا منه الجناح
والندى من فوق أغصان الشجر
لؤلؤ تجمعه شمس الصباح
والبراري زهرها تجلو النظر
حيث يمشي الحب مع خفق الرياح
وشجيرات الروابي تنثني
طربا بالنسمات النافحات
دق قلبي دقة الحب السني
مالئ الدنيا وكل السموات
وإذا عيني رأت أعمى فقير
في طريق باسطا إحدى يديه
دق قلبي دقة العطف الكثير
لضرير ضاقت الدنيا لديه
ثم ناد الله كالطفل الصغير:
ضع إلهي نظرا في مقلتيه
إن قلبا ملؤه الحب الصحيح
دق حتى رق من فرط الشعور
هو حي ولئن زار الضريح
دق يا قلبي إلى يوم النشور
خلق الرحمن هذي الكائنات
وحباها كل حب أزلي
ما ترى الأنجم ترنو غامزات
وهي لولا حبها لم تفعل
كلما شاهدت تلك النيرات
وجمال الله فيها ينجلي
دق قلبي دقة النائي الغريب
ذكر الأوطان والعهد القديم
شبت الأشواق فيه كاللهيب
بعدما أضرمها الحب المقيم
إن عين الحب ليست ترقد
فهي عين الله بارينا القدير
هي في الشمس التي تتقد
وذرى الأفلاك منها تستنير
قلت والأمواج فيها تنشد
والسواقي تتغنى بالخرير
دق يا قلبي فإن جاء الأوان
ودعانا الله من بعد الممات
سوف نحيا عنده طول الزمان
فلنا بعد الردى ألف حياة
هكذا يفنى زماني
حرموا بنت الدوالي
ما لما شاؤا وما لي
إن في قلبي خمرا
هي من عصر الليالي
عتقت في بطن واد
بين هاتيك الجبال
كلما روحي احتستها
خطر الشعر لبالي
هكذا يفنى زماني
وأنا راض بحالي
معنى الحياة
أحسد الشاعر يبكي
في سكون الظلمات
وبنات النعش تبدو
حوله كالفتيات
بجباه لامعات
وعيون غامزات
تنزل الوحي عليه
من أعالي السموات
ثم تدنيه إليها
فيرى معنى الحياة
الشاعر
ليس الشاعر الذي ينظم القصائد ويحكم الأوزان والقوافي.
الشاعر الذي يرتاح إلى الظلام لأنه يحب النور.
الشاعر الذي يدخل إلى محراب نفسه ويجدها تقدم قلبه ذبيحة للحب فلا يردعها.
الشاعر الذي تزين حلقته سلسلة الحياة.
الشاعر الذي يراه الأعمى المستعطي.
الشاعر الذي لا يفرح لنفسه إلا بحزنها.
الشاعر الذي يحب النفوس المتواضعة علما منه أن هناك الجمال والحكمة.
الشاعر الذي يحب الحياة مملوءة من العواطف.
الذي يحسب الناس كلهم إخوته في الإنسانية.
هذا هو الشاعر
إن تلك النفس التي تأسف للزهرة الذابلة، مثلها التي تفرح بالشجرة الشماء وقد مادت أغصانها، وزهت أوراقها، فلكل وقفة خيال وجمال.
تلك النفس التي تحب السكنى في الوادي البعيد، مثلها التي تسكن في قصور جعلتها مسرحا لذوي العلم والعرفان.
تلك النفس التي تعلو إلى أوج السماء، وتتغلغل بين النجوم، وتتلذذ بالجمال متنصتة إلى رنة الأفلاك، مثلها التي تهفو إلى الجلوس مع إخوان جمعتهم الآداب وأحاطت بهم المحبة.
تلك النفس التي تحب تغريد العصافير، وهينمة النسيم، وخرير السواقي. مثلها التي ترقص طربا لدى استماعها: فلان عمل الخير وصنع المعروف.
تلك النفس التي تعشق صوت المطر الساقط على أعواد الكوخ. مثلها التي تشتاق لاستماع أصوات إخوانها لاهجين بذكر وطنهم مهما شط المزار بهم.
تلك النفس التي تحب الانفراد والوحدة. مثلها التي تميل إلى القلوب المجتمعة والطوايا النقية، وتأنس بالاجتماعات التي لا يشوبها بغض ولا رياء.
فيا ليت الناس كلهم شعراء.
وادي الجماجم
ما أجملك أيها الوادي مسرحا لأحلامي!
ما أحسنك مجمعا لأشباح ليالي!
أيها الراضع من ثدي صنين.
الساكن في حضن الطبيعة.
المتنصت لوقع أقدام الدهور المارة أبدا.
مرورك في مخيلتي.
أنت عميق أيها الوادي .
عميق جدا كجراح قلبي.
تنصب فيك سيول الأمطار.
كما تنصب في صدري الهموم.
وتبيت في غورك العواصف.
كما تبيت الكآبة في سفح ضلوعي.
آه وا شوقي إلى طريقك المنعرجة.
التي أحبها كثيرا.
الطريق المؤدية إلى ربوع أحبتي.
المطلة على خيمة الناطور القائمة على كتفك.
المتطلعة إلى أعماقك
كما تتطلع روح الشاعر إلى أعماق الأبدية.
سوف أرجع إليك أيها الوادي.
وأنت أيها الطريق سوف أمر فيك.
ولو آخر العمر.
الأعمى
وقف مستعطيا على قارعة الطريق فساعدوه.
فقد نضارة الحياة ورونقها فارحموه.
هو بينكم كالغريب فلا ترفضوه.
متقطع كلامه، داج ظلامه.
ليس لنهاره نور، ولا لليله نجوم.
شاحب اللون من لفحات السمائم وحر الهواجر.
يمد يده بذل فأحسنوا إليه.
ينطق بقلبه ويرى بشعوره.
فطوبى لمن يكلمه الأعمى ويراه.
الدرويش
تحت الشجرة رقد المسافر فلا توقظوه.
فقد أنهك قواه السفر.
ما أرق هذا النسيم المار على وجهه الذي لوحته الشمس!
مسكين قد اشتعل رأسه شيبا.
وغشى شعره عثير الطريق.
فلنختبئ وراء الشجرة إلى أن يستيقظ.
ونرى كيف يبكي الغريب إذا هزه الشوق على انفراد.
آه ما ألذ الراحة بعد التعب والنوم بعد اليقظة!
آه ما أحلى البكاء مقرونا بآمال تومض إيماضا!
آه ما أجمل التذكار لمن تقاذفت به فلوات!
انظروا إلى قلبه الخافق كأن حلما يروعه.
أين أنت يا من لا يقر لها قرار؟
بينا هي في السماء إذا بها تتغلغل في الأرض.
تمشي ولا تدري إلى أين.
تتمسك بها الملوك كما تعشقها الفقراء.
ويصبو إليها الشيخ كما يهواها الشاب.
تسكن في قصور الأغنياء وتلوح في أكواخ المساكين.
يتلذذ بها المؤمن بالله كما تحلو لأبناء الطبيعة.
تشرق كالشمس وتسود كالليل.
أيتها المتمسكة بأذيال الغيوم.
المتشتتة في فضاء بنات نعش.
البعيدة عني القريبة مني.
ها أنا لم أزل أذكرك وأحن إليك.
فعودي إلي.
يا حياة نفسي.
يا مصباح قلبي.
يا دليل أفكاري.
يا كلي.
يا آمالي.
هي الدنيا
وقائلة لما رأتني مكثرا
من الخمر إن الخمر تذهب باللب
فقلت دعيني في رشادي فإنني
أعوض عما يشرب الحزن من قلبي •••
إن التي كنت لو كلفتها غزلا
تفجرت في القوافي كالشآبيب
قد قرحتها الليالي فهي إن رشحت
قصيدة أعربت عن نفس مكروب •••
وسرنا وراء القدر
كمن سار وسط الغيوم
إلى أن تمادى السفر
وبتنا بإحدى النجوم
فلما نزلنا بها
مشينا بواد عميق
فمن لم يغن وهى
وطالت عليه الطريق •••
ولما رأيت المال يستعبد الورى
وآمال نفس الحر تقضي بأن يحيا
عكفت على الإقلال علما بأنه
يلذ لنفسي الانتصار على الدنيا •••
على أنهار آلامي
حلت للناس أنغامي
ولكن لم أجد أحدا
يضمد جرحي الدامي
لذا علقت قيثاري
على صفصاف أحلامي
وقلت لمهجة تعبت
ألا يا مهجتي نامي •••
لو تراني تحت أستار السكون
في الدجى وحدي
شاخصا نحو السماح كلي عيون
فاقد الرشد
كنت تدري كيف في الدنيا يكون
منتهى الزهد •••
وحرب على جسر الحياة صليتها
من الدهر حتى كاد ينهدم الجسر
وطالت فلما شاب رأسي من الوغى
سللت حسام العقل فانهزم الدهر •••
وقائلة قد شاع شعرك في الورى
لما فيه من نوح كنوح الحمائم
فقلت لها هاتي «الأشعة» وانظري
فؤادي ففيه الغم مثل الغمائم •••
يا ساقي الراح قد دبت حشاشتها
في القلب، رفقا بقلب بين روحين
قد كان يشكو من الدنيا بواحدة
فصار يشكو من الدنيا بثنتين •••
وخمرة كشعاع الشمس صافية
قد ذكرتني بأيامي وماضيها
فقلت والكأس في كفي مشعشعة
وفي فؤادي لهيب مثلما فيها
لم يبق إلاك صاف أستلذ به
فقد مضى من ليالي العمر صافيها •••
كأسي التي كنت في الأيام أملؤها
خمرا معتقة من دن أحلامي
هبت عليها رياح اليأس فانكسرت
فهل ترى لي سواها عند أيامي •••
ومن عجب الدنيا إذا الشوق هزني
بكيت وقلبي سال مني مع الدمع
وإن صوبت نحوي الليالي نبالها
تصدى لها قلب غناني عن الدرع •••
نظرت إلى وجهي حياتي حائرا
فبت وفي أيدي القضاء أموري
إذا أنا لم أضحك فقدت معاشري
وإن أنا لم أحزن فقدت شعوري •••
آه من دهم الليالي
بت مرهونا لديها
هي مولاتي وإني
عبدها بين يديها
لا أذيع الشعر إلا
بعدما يتلى عليها
صار شغلي في حياتي
كله مني إليها •••
لقد أرهقت خمري الليالي ولم تزل
تذكرني خمري بما حل في راسي
كأن سواد الشعر والشيب واضح
بقايا كميت الراح في دائر الكاس •••
إلهي أعرتني والليل داج
سراجا والطريق بها اعوجاج
وأرسلت الرياح الهوج تترى
فما ذنبي إذا انطفأ السراج؟ •••
ولما قطعنا مروج الشباب
ونهر التصابي ووادي الغرام
توقف قلبي وألقى عصاه
وتمتم ما لست أدري ونام
الضوء البعيد
لبست شمسي الوشاحا
آه ما أحلى المغيب!
نام قلبي واستراحا
وقضى ذاك الغريب
في الأنام •••
فاحفروا قبري بجانب
خيمتي عند الكروم
حيثما كنت أراقب
في دجى الليل النجوم
لا أنام •••
واخبروا نايي وكوبي
ثم لا تنسوا الجراب
رفقائي في كروبي
إنني تحت التراب
لا أضام •••
دقة الناقوس عندي
كل أنغام الطرب
فاضربوه عند لحدي
يوم تفريج الكرب
بالحمام
Shafi da ba'a sani ba