ما هي الوجودية؟ هي كلمة منسوبة إلى الوجود.
ولكن لا يفهم منها بالبداهة أن المراد بها هو مطلق الوجود، لأن الحجر موجود والشجرة موجودة والحيوان موجود، وقد تكون كلها موجودة بالنسبة إلى غيرها؛ لأن غيرها هو الذي يحس وجودها ويعرف لها صفة الموجودات.
والإنسان على كونه مخلوقا حيا عاقلا قد يكون موجودا أيضا بالنسبة إلى غيره لا بالنسبة إلى نفسه، ويكون حكمه في وجوده كحكم الحجر والشجرة والحيوان أو قريبا منها في مجمل التقدير.
فهل نفهم من الوجودية إذن أنها منسوبة إلى الحياة؟ كلا، ولا هذا هو المقصود بالمعنى الفلسفي لهذه الكلمة، لأن الإنسان يكون في الحياة من مولده إلى مماته، ولا يخرج منها في خلال ذلك ولو ذهب في النوم أو غاب عن وعيه.
فالوجودية لا تعني مطلق الوجود ولا مطلق الحياة، ولكنها تعني أن يهتدي الإنسان إلى وجوده بنفسه، وأن يكون موجودا بالنسبة إلى نفسه، وأن يسبر غور وجدانه ويستجمع نقائضه في وحدة شاملة تمضي إلى اتجاه متناسق لا تنازع فيه، وأن يكون بهذه المثابة شيئا لا يتكرر ولا يتعدد، لأن الناس - من حيث هم موجودات - خلائق متشابهة، يجوز فيها التعدد والتكرار. ولكن الإنسان الذي اجتمع بنفسه وسبر غورها وعمل في الحياة بكل قوة من قواها شيء واحد لا تعدد له ولا تكرار لكيانه، وهو في امتناع تكراره أحرى من الكف التي يمتنع تكرارها بين إنسانين اثنين بالغا ما بلغ التقارب بينهما في النسب، أو في الملامح والقسمات. وإذا امتنع أن تتشابه كفان فتشابه الوجودين النفسانيين أحرى وأقمن بالامتناع.
وتسأل: كيف نهتدي إلى هذا الوجود فنعرف به أنفسنا كما نعرف به مدى العلاقة بين وجودنا وهذا الوجود العظيم المحيط بكل كائن من هذه الكائنات؟
أترانا من هذه الكائنات؟
أترانا نهتدي إليه بالتحليل النفساني والمراقبة الباطنية؟
كلا، لأن التحليل النفساني يفترض انقساما في النفس بين القوة التي تحلل والقوة التي تخضع للتحليل، أو يفترض نوعا من القرابة بين المستطلع وما يراد استطلاعه، وإنما يتحقق الوجود بكل جوانب الوجود، ويتحقق بأن يعمل الإنسان «موجودا متناسقا» ولا يتحقق بأن يعرف ويقنع بمجرد العرفان.
كذلك لا نهتدي إلى الوجودية أو الوجدانية بهدي الأخلاق المقررة وأصول الآداب المتواضع عليها، لأن الأخلاق والآداب تسيطر على الجماعات، وتنشأ قبل نشوء الأفراد، ولا تنبعث من أعماق الفرد في دخيلة وجوده التي ينطوي عليها دون غيره.
Shafi da ba'a sani ba