ومنذ قامت الثورة الشيوعية تجتمع النقابات في ناحية، وتجتمع لجان الحزب المسيطرة على الحكومة في ناحية أخرى، وقاعدة النظام في النقابات أنه إذا اجتمع في النقابة ثلاثة من أعضاء الحزب السياسي وجب أن يرجعوا إلى رئاسة الحزب في جميع الأوامر والتعليمات، ووجب على النقابة أن تخضع لما يمليه عليها الأعضاء الحزبيون.
لهذا يقال من حين إلى حين إن المؤتمر العاشر للنقابات قد اجتمع في هذه المدينة أو تلك، ويقال في الوقت نفسه إن المؤتمر الخامس عشر أو السادس عشر للحزب الشيوعي قد اجتمع قبل ذلك أو بعد ذلك، ويتفق كثيرا أن تكون القرارات هنا مناقضة للقرارات هناك، ولكن الرأي الأخير على كل حال لإدارة الحزب في جميع الأمور، أما الرأي الأخير في قرارات الحزب نفسه فهو رأي البوليس السياسي من داخل الحزب، بغير تعقيب ولا استئناف.
ويمكن أن تعرض على مؤتمرات النقابات طلبات الزيادة في الأجور، ولكن السلطة السياسية هي التي تقدر الأجور المختلفة، وتلاحظ في ذلك أن تختلف الأجور «أولا» باختلاف نوع الصناعة، و«ثانيا» باختلاف القدرة على العمل، و«ثالثا» باختلاف عدد القطع التي ينتجها العامل، و«رابعا» باختلاف الأقاليم والمدن واختلاف المحصولات التي تلزم للتموين في كل إقليم. وحجة السياسيين في ذلك أن النقابات لا تستطيع الإشراف على هذه المسائل المتعددة، وأن إشرافها مقصور على صناعتها في مدينتها أو إقليمها، فلا مناص إذن من ترك الأمر للسلطة السياسية في تقدير الأجور.
وإلى زمن قريب لا يتجاوز بضع سنوات كانت النقابات مقسمة على حسب الصناعات، فصناع الفحم في البلاد كلها ينتمون إلى نقابة واحدة، وصناع الحديد ينتمون إلى نقابة أخرى، وصناع المنسوجات ينتمون إلى نقابة غير هاتين النقابتين، وكانت لهذه الطريقة في تأليف النقابات عيوبها ومزاياها، فمن عيوبها أنها لا تتفق على خطة واحدة ولا تجتمع على كلمة واحدة، ومن مزاياها أنها تحصر الجهود في الصناعة التي يحسنها أربابها، فتعطيهم سلطانا متحدا في تدبيرها والإشراف عليها.
أما الطريقة الجديدة التي اختارها السياسيون منذ ثلاث سنوات فهي تسمح للنقابات المتفرقة في كل مدينة أو كل إقليم بالاتحاد في الإدارة والتدبير، فعمال الفحم وعمال الحديد وعمال النسيج في المدينة الواحدة يتشاورون ويتداولون في شئون هذه الصناعات جميعا، وقد يصدر من عمال الفحم في هذا البلد قرار يخالف القرار الذي يتخذه زملاؤهم في بلد آخر. وظاهر من هذا النظام أنه توحيد لصفوف العمال في كل إقليم، ولكنه في الباطن يخالف هذا الظاهر الخداع، لأنه يفرق كلمة العمال في الصناعة الواحدة فلا تجتمع على رأي متفق في الإدارة والإنتاج، ويترتب على ذلك أن السلطة السياسية تشرف على جميع المسائل الفنية، وأن سيطرة الحزب السياسي تتغلب على سيطرة النقابات في كل صناعة متفرقة، كما تتغلب على نقابات جميع الأقاليم.
هذه الحيلة النظامية تركت لسلطان السياسيين أن يسيطروا على شئون العمال والصناعات كما يشاءون، فإذا اتفقت مطالب عمال الحديد مثلا في جميع البلاد، احتالوا على تفريقها بقرارات العمال الآخرين كعمال الفحم وعمال النسيج. أما إذا اتفقت مطالب الفحامين والنساجين من الإقليم الواحد، فهنالك فرصة للخروج على هذه القرارات من طريق النقابة العامة لعمال الحديد في جميع الأقاليم.
وعلى هذا بقي سلطان الساسة كما كان أمام مصلحة العمل ومصلحة العامل، وبقيت القضية القديمة بين الحاكمين أو المحكومين على صورة أخرى، وبقيت هناك طبقة حاكمة لها خطة تحمي بها وجودها وتحفظ بها نفوذها، ولو لم تكن في ذلك منفعة للعمال والصناع أو منفعة للمحكومين على العموم.
والواقع الذي لا شك فيه أن العمال والصناع في البلاد الشيوعية مسخرون لمصلحة الساسة أو لمصلحة الطبقة الحاكمة، وأن الأيدي العاملة لا تشتغل لكي تنتج طعامها وكساءها ولوازم معيشتها، وإنما تشتغل قبل كل شيء لأنها مسخرة في سبيل السلطة الحاكمة أو في سبيل الحماية اللازمة لطبقة الحاكمين.
هذه الطبقة - طبقة الحاكمين في البلاد الشيوعية - تأخذ الأقوات من أفواه العاملين لتنفقها على جيوش من الجواسيس والأرصاد، وعلى جيوش من العساكر والضباط، وعلى جيوش من الدعاة والمداحين.
هذه الطبقة - طبقة الحاكمين في البلاد الشيوعية - تنفرد بعيشة الرخاء وتختار لنفسها ما تشاء من المساكن والأطعمة، وتأمر وتنهي، وتعز وتذل، وتغدق الخير على أناس وتصب الشر على أناس آخرين، وغايتها من كل ذلك أن تحمي وجودها وتحفظ نفوذها وتقطع الطريق على كل منافسة تخشاها، ولو هلكت الأيدي العاملة وطال عليها عهد التسخير والتضليل.
Shafi da ba'a sani ba