فنحن نعرف الكثير من دعاة الإصلاح خاصة إذا عرفنا كيف كانوا يطبقون كلامهم على أنفسهم، ونتبين الفرق بين الجدير منهم بالثقة، والجدير منهم بالشك والريبة، إذا عرفنا أمانتهم في تطبيق المذهب الذي يدعون إليه.
على هذه القاعدة نعرض في هذا الحديث لسيرة زعيم من زعماء المذاهب الهدامة؛ بل لعله أكبر زعيم من زعمائها، وهو كارل ماركس الذي تنسب إليه الشيوعية، فتسمى بالماركسية في بعض الأحيان.
كان هذا الزعيم يبني مذهبه كله على أساس واحد، وهو: «أن من لا يعمل لا يأكل» ... وبهذا المبدأ أراد في دعواه أن يبطل استغلال العاطلين للعاملين.
فإذا رجعنا إلى سيرته في حياته، فماذا نرى من دلائل الأمانة في تطبيق هذا المبدأ، الذي أراد أن يكون فيه قدوة للمقتدين؟
خلاصة الحقائق المستمدة من حياته أن الناس جميعا لو جروا على طريقته لماتوا جوعا، وأنه هو لو عاش بما كسبه من عمله لما عاش أكثر من سنة واحدة على أبعد احتمال.
في خطاب من خطابات أبيه المحفوظة يقول له: «ماذا تظن! كأننا مصنوعون من الذهب؟» وفي خطاب آخر يقول له: «لسوء الحظ أراك تؤيد بسلوكك رأيي الذي كونته عنك، وهو أنك على ما فيك من خصال حسنة - أناني تغلب الأنانية على جميع صفاتك.»
وإنما كتب أبوه إليه ما كتب في هاتين الرسالتين، لأنه كان لا ينتهي من طلب المال وإنفاقه في غير جدوى، وكان يثقل على أبيه بالطلب مع علمه باتساع أسرته، وقد كان فيها ثمانية أبناء يحتاجون إلى التربية والتعليم.
ومات أبوه فوجب أن يخلفه هو في رعاية بيته، ولكن الذي حدث هو أنه لبث إلى الرابعة والعشرين من عمره عالة على أمه وإخوته؛ فاضطرت أمه أن تكتب إليه ومعها أخته التي كانت تسمى صوفي، وقالتا له: إنه لا ينتظر بالبداهة أن يعيش «طفيليا أبديا»، وأنذرتاه بقطع المعونة عنه إذا لم يبحث له عن مورد رزق يغنيه.
في تلك الآونة كانت تصدر في بلاد الرين صحيفة تسمى «رنيش جازيت
Rhenish Gazette » وكانت تتطرف في دعوتها إلى الاشتراكية، فأنذرتها الحكومة بالإغلاق إذا هي لم تعدل عن خطتها وتخرج منها الكاتب المسئول عن سياستها، وكان شابا من أصحاب كارل ماركس اسمه روتنبرج
Shafi da ba'a sani ba