وهذه حركة قوامها عند المفسرين الماديين للتاريخ، هو براميل البارود والنبلاء وتجار المدن، ولا سيما المدن التي على البحار.
هذه هي عناصر الحركة التي نقلت الدنيا من عهد الإقطاع إلى عهد «البورجوازية»، إلى ما وراءه من العهود.
وهذه العناصر كلها كانت في الصين من عشرات القرون، البارود والنبلاء والمدن التجارية، فلم تنتقل خطوة واحدة من تلك الخطوات التي حركت الحضارة الأوروبية من أطوار القرون الوسطى إلى أطوارها في القرن العشرين.
إن بعض المؤرخين يشك في سبق أهل الصين إلى اختراع البارود؛ لأنه يربط اختراعه بالكشف الذي سجله «روجرز باكون» في معمله عند منتصف القرن الثالث عشر، ويرى أن وجود البارود يتوقف على وجود ملحه
Saltpetre ، وهو لم يكن معروفا - في زعمه - قبل روجرز باكون.
إلا أن الراجح، أن روجرز باكون نفسه قد عثر على الصيغة الكيمية في المرجع العربي، الذي أشار إليه «أومان» في تاريخ فن الحرب، فإن لم يصح هذا، فالصحيح بلا مراء أن هذا الملح يوجد على سطح الأرض في بلاد آسيا الشرقية، ومنها الهند التي يوجد بها على سطح الأرض إلى اليوم.
وندع هذا، ونرجع إلى الزمن الذي انقضى بين كشف البارود والانتفاع به في الحملات على القلاع والحصون.
لقد مضت ثلاثة قرون منذ جاء ذكر البارود في أوراق روجرز باكون، إلى أن أصبح قوة فعالة في الهجوم على المعاقل المحصنة، وقد مضت هذه القرون في تنقية الأخلاط، وضبط المقادير الصالحة لسرعة الانفجار، وتركيب هذه الأخلاط تركيبا موافقا للأدوات التي أمكن اختراعها يومئذ، سواء أكانت مما تحمله اليد، أم تجره الخيول، وكانت مشكلة الوقت الذي ينقضي بين إطلاق القذيفة، وتعبئة المدفع أو الرامية عقبة معوقة، ولم تكن من أسباب الإسراع والتغلب.
ولا شك أن المنجنيق الذي كان يقذف الحجارة على قرب قد كان أفعل من المدافع الأولى في تهديد الحصون والقلاع، بل استطاع الهوجنوت إلى أوائل القرن الثامن عشر أن يقاوموا المدفع حول الحصون بمتاريس التراب، وما إليها، فلم يكن البارود إذن هو القوة الحاسمة في تغلب نظام على نظام، ولم يكن استخدام المدفع الأول أسهل من فنون الفروسية، التي احتكرها نبلاء القرون الوسطى.
وأصح من هذا أن يقال إن البارود في أوروبة، قد أفاد في ميدان الصناعة قبل أن يفيد في ميدان القتال، لأن بدعة الأسلحة النارية حولت الأنظار إلى البحث عن الحديد والفحم، فنشطت حركة التعدين، واستفادت منها الصناعات الحديثة، مع توالي الطلب عليه حسب حاجة العصر الحديث. •••
Shafi da ba'a sani ba