Tunanin da Mutane: Tarihin Tunanin Yamma
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Nau'ikan
ويعزو المؤلف تفوق ثقافة الغرب - حسبما زعم - إلى أثر البيئة والمناخ في أوروبا، وإلى تفوق الأجناس الغربية على غيرها، وإلى النمو المطرد في المعرفة التراكمية في تلك البلاد. كما يعزو أسباب القلق والسخط في هذه الثقافة إلى الفجوة العميقة التي تقع بين «ما هو كائن» و«ما ينبغي أن يكون» أو بين «الواقعي» و«المثالي».
ولكنه - كما بينت - يتفاءل بظهور الأفكار الجديدة التي تدعو إلى الاشتراكية والاعتماد على العناصر اللاعقلية في تفكير الإنسان إلى جانب العناصر العقلية، والتمسك بالمبادئ الديمقراطية، والعودة إلى الإيمان بالله والدين.
الفصل الأول
تمهيد
هذا كتاب عن الآراء التي اعتنقها الناس - ولا يزالون يعتنقونها - في عالمنا الغربي فيما يتعلق بالمشكلات الكبرى؛ المشكلات الكونية التي تبحث عما إذا كان للعالم معنى في مقدور البشر أن يدركوه، وإذا كان الأمر كذلك فماذا عسى أن يكون هذا المعنى، والمشكلات الخلقية التي تبحث عما إذا كان لما نعمل ولما نريد أن نعمل معنى من المعاني، والتي تبحث أيضا فيما نعني فعلا بالخير والشر، والجميل والقبيح. وأن مجموع ما دون الإنسان من إجابات عن هذه المشكلات وما شابهها - وأعني بها الجانب الأكبر من فلسفتنا الغربية، وما لدينا من أدب وفن، وتاريخ طبيعي من بعض الوجوه - ليشغل ملايين المجلدات، ومن ثم فإن أية طريقة من طرق السرد لهذه الإجابات لا بد أن تهمل منها أكثر مما تستطيع أن تورد.
وهناك عدة وسائل ممكنة يسترشد بها مؤرخ هذه الآراء والأفكار؛ وسائل يمكن أن نسميها مجازا: طرق رسم مصورات الأفكار، وهو تشبيه أصدق من كثير من التشبيهات في أغلب الأحيان؛ لأن المؤرخ والصور كليهما لا يستطيعان قط أن يعرضا على قارئ الكتب أو المصورات صورة كاملة من الواقع الذي يريدان أن ينقلاه إليه. وأقصى ما بوسعهما أن يقدما إليه تخطيطا، أو مجموعة من الدلائل التي تشير إلى الواقع. وهناك وسائل متباينة للاختيار من المجموعات الضخمة من التفصيلات قد تحصل على مصور يحشد فيه صاحبه كل ظاهرة لها اسم، وكل جبل صغير، أو نهير، أو ملتقى طرق. وقد يحصل على مصور يتجاهل كثيرا من التفصيلات بقصد إطلاع القارئ على موقع الأرض، وشكل السلاسل الجبلية فيها، والعلاقات القائمة بين تصريف المياه، والتضاريس، وطرق المواصلات، إلى غير ذلك. والطريقة الأولى والطريقة الثانية نافعتان على السواء، ويتوقف نفعهما على حاجات من يستخدم الطريقة، وسنحاول قطعا في هذا الكتاب، عند رسم مخطط لتاريخ الأفكار، أن نسلك الطريقة الثانية. سنحاول في هذا الكتاب أن نرسم صورة عامة لمواقع الحركات الثقافية والفكرية، وسوف نهمل كثيرا من الأسماء الشهيرة، بل وربما نهمل أيضا قليلا من المعالم، وذلك في سبيل إيضاح ما أحسته مجموعات كبيرة من الرجال والنساء في الغرب فيما يتعلق بالإجابات عن المشكلات الكبرى في مصير الإنسان.
وهناك أيضا مجموعة أخرى لها أهميتها في الوسائل المتباينة التي يسترشد بها مؤرخ الفكر. ويتضح هذا التباين في المفارقة بين انتقاء الأفكار والآراء التي يعدها المؤرخ حقا أو صدقا، وعرض مختارات لا تحيز فيها للآراء والأفكار لكي يصدر القارئ حكمه الخاص فيها، والطريقة الأولى - في تعبير المصطلحات التربوية - تقوم على أساس المبدأ الذي يقول ب «أن التعليم هو تثبيت الأفكار»، وأما الطريقة الثانية فأساسها «أن التعليم هو عرض المشكلات».
وليست الطريقة الأولى أو الثانية - في عالم الواقع - بالعامة التي لا تقبل الاستثناء؛ ذلك أن الطريقة الأولى مهما تكن جازمة - في الغرب على الأقل - قل أن يقصد بها أربابها أن يروي المتعلم ما يسمع أو يقرأ عن ظهر قلب. كما أن الطريقة الثانية مهما تبلغ من التهاون وحرية الفكر لا يمكن أن يعني بها أصحابها أنه لا يجوز البتة النقل عن الثقات، وأن كل امرئ يصوغ آراءه الخاصة في دنياه الخاصة. كلتا الطريقتين كالقطبين في هذه الدنيا أرض باردة غير مأهولة. ومهما يكن من أمر فإن هذا الكتاب سوف يحاول أن يقترب من دائرة القطب الثاني، من المبدأ الذي يقول بأن الفرد يجب أن يبذل جهدا كبيرا تلقائيا، فيفكر وينتقي وحده، وأن تاريخ الفكر - على حد تعبير ألفرد نورث هوايتهد الواضح - إنما هو «مغامرات الأفكار» لكل من يغوص في هذا التاريخ. وكل مغامرة تتضمن شيئا من الشك.
وهذان الاتجاهان - أعني في الخطوط العريضة دون التفصيلات، والتفكير المستقل دون استيعاب المعرفة «الصحيحة» وتفسيرها - يتفقان مع الشعور السائد في الولايات المتحدة بأننا استوعبنا في الماضي من الوقائع أكثر مما ينبغي، وفكرنا فيها أقل مما ينبغي.
ويتضح هذا الشعور في الحركة التي تؤيد التعليم العام - مهما يكن الاسم الذي يطلق على هذه الحركة. وحركة التعليم العام هذه قد يغالى فيها، شأنها في ذلك شأن أكثر أمثال هذه الحركات. وتدرك العامة بحكمتها الخطر الذي يحدق بالطفل إذا ألقينا به في خضم الماء ثم تخلينا عنه، ولا يحب الإنسان العاقل أن يلفظ «الطفل » - وأعني به هنا السيطرة السليمة الطيبة على الوقائع الضرورية. وثقافتنا - بوجه عام - منظمة تنظيما يدعو إلى الإعجاب، ويسمح باستجماع الحقائق اللازمة للتفكير المثمر في مشكلة معينة استجماعا دقيقا وسريعا، كما يهيئ الاتصال المباشر بهذه الحقائق؛ فهناك كثرة من المكتبات، ودوائر المعارف، وكتب النصوص التي هي في الواقع من أمهات المراجع.
Shafi da ba'a sani ba