سيرة عقلية
ميلاد التذوق الفني
منابع التحصيل
مؤثرات في العشرين
القارئ الكاتب
مرحلة التحول
دكتوراه في الفلسفة
قبيل ثورة يوليو 1952
دفاع عن العقل
أمتنا الوسط
Shafi da ba'a sani ba
أفكار في حياتنا العقلية
ثقافتنا برؤية جديدة
واجب المثقفين
موقفنا بين عصرين
من تحولات العصر
عودة إلى قواعد
لكي يعتدل الميزان
ولادة عصر جديد!
سجناء الكهوف
لماذا ارتفعت السماء؟
Shafi da ba'a sani ba
من الشعب وإليه
إنسان هذا العصر
يا قالع الشجرة!
الأجسام الطافية
الرؤية الواحدة
حتى لا تنفرج الزاوية
لا ... لن أكسر مغزلي
كيف يولد طاغية
قلم يتوب
منطق الطير
Shafi da ba'a sani ba
في سبيل يقظة عربية
درس نتعلمه من الأوائل
الفكر العربي من لغته
رؤية صحراوية
رجع الصدى
حضارة الأخلاق
حقيقة المبادئ
ينقصنا منهج العلم
إحياء التراث وكيف أفهمه
أفكار مغرضة
Shafi da ba'a sani ba
أسطح بغير أعماق
علموهم تذوق الفن
وللحياة أسلوبها
ديمقراطية الثقافة
الفكرة الأدبية
هل هما اثنان؟
طبقات ثقافية
حدود التسامح
قسمة الحظوظ
الكتاب أولا، والكتاب آخرا
Shafi da ba'a sani ba
فلسفة الشهادة
خطان متعامدان نحو جامعة للشعوب الإسلامية والعربية
من وحي الحياة الجارية
الصامتون والصائتون
وكذلك أخلاق المدينة
منطق معكوس
ساعات الفراغ
الشيطان الأخرس
فقراء الأرض
العمل الفارغ
Shafi da ba'a sani ba
الفنون في مناهج الدراسة
حديقة الهانم
جوائز الدولة
عن الدراسات العليا
الحروف والكلمات
لنا رسالة
في غرفة الامتحان
الثورة الرابعة التي جعلت «الجامع» جامعة!
قضبان الضوء
دفاع عن المعقول
Shafi da ba'a sani ba
هيكل البناء
لقطات على الطريق
حق العزلة
عقد اللؤلؤ
عيون تنظر ولا ترى
ملائكة بغير أجنحة
الفكر المغامر
النفوس وما تخفي
كواهل العظماء
حرمة الحياة الخاصة
Shafi da ba'a sani ba
متعة الحديث
دعهم على سجيتهم
اتجاه العدوى
النجم الدءوب
حياة على عجل
غرور
الجائع يحلم بالعيش
الكلمة الولود
أخلاق الحيوان
التعاون فطرة
Shafi da ba'a sani ba
الأرانب العفاريت
كيف يكتب الأديب
باب النجار المخلع
سيرة عقلية
ميلاد التذوق الفني
منابع التحصيل
مؤثرات في العشرين
القارئ الكاتب
مرحلة التحول
دكتوراه في الفلسفة
Shafi da ba'a sani ba
قبيل ثورة يوليو 1952
دفاع عن العقل
أمتنا الوسط
أفكار في حياتنا العقلية
ثقافتنا برؤية جديدة
واجب المثقفين
موقفنا بين عصرين
من تحولات العصر
عودة إلى قواعد
لكي يعتدل الميزان
Shafi da ba'a sani ba
ولادة عصر جديد!
سجناء الكهوف
لماذا ارتفعت السماء؟
من الشعب وإليه
إنسان هذا العصر
يا قالع الشجرة!
الأجسام الطافية
الرؤية الواحدة
حتى لا تنفرج الزاوية
لا ... لن أكسر مغزلي
Shafi da ba'a sani ba
كيف يولد طاغية
قلم يتوب
منطق الطير
في سبيل يقظة عربية
درس نتعلمه من الأوائل
الفكر العربي من لغته
رؤية صحراوية
رجع الصدى
حضارة الأخلاق
حقيقة المبادئ
Shafi da ba'a sani ba
ينقصنا منهج العلم
إحياء التراث وكيف أفهمه
أفكار مغرضة
أسطح بغير أعماق
علموهم تذوق الفن
وللحياة أسلوبها
ديمقراطية الثقافة
الفكرة الأدبية
هل هما اثنان؟
طبقات ثقافية
Shafi da ba'a sani ba
حدود التسامح
قسمة الحظوظ
الكتاب أولا، والكتاب آخرا
فلسفة الشهادة
خطان متعامدان نحو جامعة للشعوب الإسلامية والعربية
من وحي الحياة الجارية
الصامتون والصائتون
وكذلك أخلاق المدينة
منطق معكوس
ساعات الفراغ
Shafi da ba'a sani ba
الشيطان الأخرس
فقراء الأرض
العمل الفارغ
الفنون في مناهج الدراسة
حديقة الهانم
جوائز الدولة
عن الدراسات العليا
الحروف والكلمات
لنا رسالة
في غرفة الامتحان
Shafi da ba'a sani ba
الثورة الرابعة التي جعلت «الجامع» جامعة!
قضبان الضوء
دفاع عن المعقول
هيكل البناء
لقطات على الطريق
حق العزلة
عقد اللؤلؤ
عيون تنظر ولا ترى
ملائكة بغير أجنحة
الفكر المغامر
Shafi da ba'a sani ba
النفوس وما تخفي
كواهل العظماء
حرمة الحياة الخاصة
متعة الحديث
دعهم على سجيتهم
اتجاه العدوى
النجم الدءوب
حياة على عجل
غرور
الجائع يحلم بالعيش
Shafi da ba'a sani ba
الكلمة الولود
أخلاق الحيوان
التعاون فطرة
الأرانب العفاريت
كيف يكتب الأديب
باب النجار المخلع
أفكار ومواقف
أفكار ومواقف
تأليف
زكي نجيب محمود
Shafi da ba'a sani ba
سيرة عقلية
ميلاد التذوق الفني
ليس من السهل على صاحب الحياة الثقافية التي تشعبت فروعها بين فكر وأدب وفن وفلسفة، أن يتعقب تلك الحياة إلى بذورها الأولى؛ لأنه حتى إن وقع على تلك البذور، فهو لا يأمن أن تكون قد سبقتها عوامل أنتجتها، كما هي الحال في بذور النبات؛ إذ كانت هذه البذور بدورها ثمرة نبات سابق؛ ولذلك فلست أرى بدا من عشوائية الاختيار.
وسأجعل البداية العشوائية لحظات تقاربت أزمانها في السنوات الأولى من عشرينيات هذا القرن، عندما كدت أبلغ من العمر عشرين عاما، وكانت أولى تلك اللحظات حين شاءت لي المصادفة أن أستمع إلى أستاذ في الأدب الإنجليزي يشرح للطلاب قصيدة وردزورث التي عنوانها «النرجس الأصفر»، وهي القصيدة التي يقول في سطرها الأول ما معناه: «جلت وحدي كما تجول السحابة»، وأخذ ذلك الأستاذ يحلل هذا السطر وحده في درس كامل، مما جعلني أستمع إليه وأنا ذاهل لما يمكن أن يتكشف عنه بيت واحد من الشعر إذا وجد الناقد الدارس، الذي يفجر الألفاظ تفجيرا ليخرج مكنونها الدفين. ولم أكن قد عهدت فيما قرأناه وحفظناه قبل ذلك من الشعر العربي مثل هذا التحليل العجيب؛ فلو قلت الآن إن تلك المحاضرة التي استمعت إليها في النقد الأدبي، والتي تناول فيها معلم شارح ذواقة، سطرا واحدا هو فاتحة القصيدة، لو قلت الآن إن تلك المحاضرة كانت عندي بذرة تحول في قراءة الشعر كله وقراءة الأدب كله لما بعدت عن الصواب.
وربما شاءت لي المصادفة الهادفة - إذا صح لي أن أقرن الأهداف المقصودة إلى المصادفات العابرة - شاءت لي تلك المصادفة ذات المغزى، أن يجيء محاضر الأدب العربي في إثر ذلك الأستاذ الناقد العجيب؛ فكان هذا المحاضر العربي يضع أمامنا أبياتا من الشعر الجاهلي وكأنه يقدم لنا أحجارا خشنة غلاظا لا تقوى على هضمها أقوى المعدات، ولم يكن في وسعه أن يفك جلاميدها ليخرج الكنوز من أجوافها؛ فبقدر ما كانت المحاضرة التي استمعت إليها عن شعر وردزورث طاقة متفجرة فتحت أمامي الطريق إلى سماء في التذوق الأدبي تعلوها سماء، جاءت المحاضرة الثانية - بالمقارنة مع ما قبلها - وكأنها النذير الصارخ في أذني بأن تراثنا الأدبي بحاجة إلى أيد أخرى غير الأيدي التي كانت تعبث بذلك التراث الغني وهي عجماء.
تلك - إذن - كانت أولى اللحظات التي تقاربت أزمانها معي، قبيل بلوغ العام العشرين من عمري، والتي عندها ولدت لي طريقتي في تذوق الفنون بشتى صنوفها. وأما اللحظة الثانية، فقد كان بطلها أستاذا في تعليم الرسم، لا أقول إنه كان ذواقة للفن بحيث جاءتني منه العدوى؛ إذ إني - حتى في تلك السن - كنت أدرك أن شروحه لأعمال الفنانين تنقصها الحساسية المرهفة، لكنني برغم ذلك أشهد بأنه قد فتح أمامنا بابا، وكان بمثابة من أشار بيده قائلا لنا: هاكم المروج الفسيحة، إذا أردتموها فادخلوا إليها من هذا الباب. ومن هنا بذرت في نفسي بذرة - ربما كانت ضعيفة الأثر، مقيسة إلى بذرة التذوق الأدبي - لكنها على أية حال كانت هي فاتحة التفاني إلى دنيا الفنون.
وقد أظلم نفسي إذا لم أذكر هنا بأن الحاسة الأدبية - متمثلة في أول الأمر في الحس بالألفاظ وجرسها - قد انغرست عندي منذ الطفولة الباكرة، التي لا أبالغ إذا حددتها بسن التاسعة أو العاشرة. وإنه لمن الأحداث المحفورة في ذاكرتي منذ ذلك الحين البعيد، ما حدث لي ذات يوم وقد دعيت مع أفراد الأسرة إلى حفلة زواج. وما كان أشد دهشة الحاضرين جميعا والحاضرات - وهي دهشة اختلطت معهم بضحكات الهزء والتصغير - عندما فاجأت الجميع بأن صعدت على كرسي في ركن الغرفة، وأخرجت ورقة وأخذت أتلو خطبة التهنئة التي كنت قد أعددتها سرا!
أذكر ذلك لأستشهد به على ميل مبكر نحو صياغة اللفظ، التي قد تكون عتبة الدخول في رحاب الأدب تذوقا وإنشاء. وربما كان هذا الميل المبكر عندي، هو الذي جعلني ألتقط شعاع النور حين أرسله أستاذ الأدب الإنجليزي وهو يقدم لنا قصيدة وردزورث، وهو الشعاع الذي أضاء لي طريق الأدب: كيف يكون إبداعه، وكيف يكون فهمه وتذوقه. فإذا كان جرس اللفظ هو الذي ملأ سمعي قبل ذلك، فإنني بعد ذلك الدرس الملهم، قد أدركت أن الأدب إذا ما استخدم قوة اللفظ، فإنما يستخدمها لتكون أداة لتوصيل ما انبث فيه من المعاني.
ولقد ظهرت معي محاولات أولى منذ ذلك العهد، أمزج فيها بين النغم والمعنى، لعل من أوائلها حادثا عابرا، كان أقرب إلى اللهو المازح منه إلى الجد البناء، وذلك أن مجلة مصورة في ذلك الحين - أظنها كانت مجلة «اللطائف المصورة» - قد أعلنت عن مسابقة يكتب فيها المتسابقون أسطرا لا يزيد عدد كلماتها عن أربعين كلمة - فيما أذكر - بحيث يصفون في هذه الكلمات القليلة ما عسى أن يصنعوه لو علموا أن نهاية العالم ستكون بعد ساعة واحدة، فكتبت مع الكاتبين. وبالطبع لا أذكر نص ما كتبته، لكنني أذكر أني قلت إنني لو علمت ذلك لقعدت بلا حراك لا أصنع شيئا، ومع ذلك فما تزال ترن في أذني إلى اليوم عبارة وردت في كلماتي، قلت فيها إنني وقد «وجدت الدقائق تمر سراعا، والقلب يدق تباعا.» مع ما تكاثر في خاطري مما ينبغي عمله، فقد جلست أنتظر بلا حراك. وجاءت نتيجة المسابقة بفوزي بجائزتها الأولى، وهي جنيهان! فقل ما شئت عن فرحتي بالجنيهين. وماذا تظن عن موقفنا عندئذ من المال؟ كانت بضعة قروش تتحرك في مجالها! وجاءني صديقان ممن كانت الصلة قد توطدت بيني وبينهم يلحان في نزق الشباب وخفته أن نذهب جميعا، أنا وأخي والصديقان، لننفق هذين الجنيهين. وكان أول خطة المساء أن نذهب إلى مسرح يوسف وهبي.
ذهبنا، وكانت المسرحية القائمة في تلك الليلة هي «كرسي الاعتراف». ولم أكن قد شهدت قبل ذلك في حياتي مسرحا، ولا عرفت كيف يكون! كنت أسمع عن دنيا المسارح، لكن شيئا قر في نفسي بأنها لم تخلق لي ولا خلقت لها. أما وقد ذهبنا في تلك الليلة، ورأيت ما رأيت، فلست أدري بأي لغة أصور لك الهزة العميقة العميقة العميقة، التي اهتزت بها نفسي لما رأيت؛ فكل ما رأيته جديد، وكل ما سمعته جديد. وعدت إلى داري ذلك المساء لأحلم بما قد رأيت وسمعت. والحق أنه كان فتحا جديدا في حياتي، لا لأن المسرحية والتمثيل يستحقان أو لا يستحقان؛ فأنا ليلتها لم أكن على أدنى درجة من العلم بدنيا المسرح؛ فقد تكون تلك المسرحية جيدة وقد لا تكون، وقد يكون الممثلون أجادوا أو لم يجيدوا؛ فلم يكن ذلك مدار انتباهي، بل كان المدار هو تلك الدنيا الجديدة نفسها حين انكشف عنها الستار.
Shafi da ba'a sani ba