transcendent
ينتمي إلى عالم شبيه بعالم المثل الأفلاطونية، بل هو كامن في قلب التجربة الواقعية. وليس مما يقرب طبيعة هذا الوجود إلى أذهاننا أن يقول ستروس: إنها تنبثق عن الذهن البشري الذي لا يتغير، وإنها سابقة على كل تنظيم اجتماعي؛ لأنها أصل كل تنظيم وسابقة على ما هو نفسي وما هو عضوي؛ ذلك لأن حيرتنا تزداد حين نعلم أن لها وجودا مستقلا يهتدي إليه الذهن ولكنه لا يخلقه، وإن هذا الوجود ليس اجتماعيا ولا نفسيا ولا عضويا،
19
ويبدو أن ما يهم ليفي ستروس في هذا كله هو أن يدافع عن ثبات العقل البشري عن طريق تأكيده أن لهذا العقل «وظيفة رمزية» لا يؤثر فيها تغير الزمان. ولكن بياجيه يرد على ذلك بقوله: «ينبغي أن نعترف بأننا لا نفهم على وجه التحقيق لماذا يكون العقل قد كرم إذا ما حول إلى مجموعة من الأطر الثابتة، أكثر مما يكرم إذا نظر إليه على أنه نتاج لم يكتمل بعد لعملية بناء ذاتي مستمرة، فهل من الضروري النظر إلى الوظيفة الرمزية على أنها ثابتة؟»
20
إن ما يدافع عنه بياجيه في هذا الصدد هو إمكان الجمع بين فكرة البناء وفكرة التطور التي تسري حتى على الوظيفة الرمزية لدى الإنسان، وهو هنا يهاجم «وهم الثبات» الذي كان يشكل صنما كبيرا من أصنام الفلسفة منذ أيام أفلاطون، والذي يبدو أن ليفي ستروس كان بدوره من الواقعين تحت تأثيره. ولكن هل يعني هذا أن كل من رفض فكرة الثبات وأكد التطور كان في موقف أفضل من موقف ستروس؟ الواقع أن بعض هؤلاء - مثل «ليفي برول
Lévi-Bruhl » - قد ارتكبوا أخطاء أشد بكثير مما وقع فيه ستروس، على الرغم من أنهم أكدوا أن عقل الإنسان ليس أزليا وليس ثابتا، فعند ليفي برول تقسم المجتمعات البشرية إلى مجتمعات خلت من المنطق لها عقلية «قبل المنطقية
Mentalité pré-logioqe »، وهي المجتمعات البدائية، وأخرى محتضرة وحدها التي تعرف الكثير. ولقد كان ستروس على حق تماما في رفضه القاطع تقسيم الإنسان إلى منطقي وغير منطقي، نقد ليفي برول بشدة لأنه شبه العقلية البدائية بعقليات الأطفال أو المجانين؛ لأن هذا كله يرجع إلى اتخاذ ليفي برول نظرة متركزة حول الذات، تأثر فيها بحضارته الخاصة والعصر الذي يعيش فيه، وتصور أن ما عداها خطأ وتخلف، وحقيقة الأمر في نظر ستروس هي أن ما يبدو غير منطقي أو قبل المنطقي له منطقة خاصة، وإن كان مخالفا لمنطقنا؛ لأنه لا يخشى التناقض ولا ينفر منه، ومن ناحية أخرى فقد علل ليفي برول التجاء البدائي إلى مبدأ «المشاركة
» (أي أن يكون الشخص من قبيلة معينة مثلا، ويتصور أنه من قبيلة أخرى في الوقت نفسه) بأنه يرجع إلى غلبة العنصر الانفعالي الوجداني
affectif
Shafi da ba'a sani ba