ففكر جورجي هنيهة، ثم قال: الحق أني لم أفطن للصلاة، فلا بد من إعداد كتاب صلاة الإكليل. - الكتاب موجود ولكنه باليونانية، ونحن نود أن يكون بعض الصلاة بالعربية؛ ولهذا يجب أن نجتمع غدا؛ لكي ألقنك صلاتين أو ثلاثا بالعربية.
ففكر جورجي وقال: لقد شاخت ذاكرتي وتصلبت، فلا تستطيع أن تطبع فيها صلاة ولا ترنيمة. - إذن ما العمل؟ لا مناص من تلاوة بعض جمل بالعربية، فيجب أن تطرق ذاكرتك؛ لكي تلين ويمكن أن نطبع عليها صلاة، وإلا فالمشروع فاسد والاتفاق منقوض. - أنت قلت: إنك تملأ جيبي دراهم بلا تعب، فما بالك تريد أن تتعبني بحفظ صلوات غيبا وتطرق ذاكرتي؟ - أنت طلبت أجرة كثيرة، أفلا يحق لي أن أطلب عملا قليلا؟
ففكر جورجي هنيهة، وقال: إذن هات كتاب الصلاة بالعربية وأرحني من التلقين. - وما الفائدة من الكتاب ولا قارئ؟ - أقرؤه. - لسنا في مزاح. - قلت لك: إني أقرؤه فلا أمزح.
فدهش جميل وقال: إنك يوناني فمتى تعلمت العربية؟ - تعلمتها هنا وأقرؤها. - لا أصدق.
ثم ناوله جميل جريدة، وقال له: اقرأ لأرى.
فقرأ جورجي بكل فصاحة، فازدادت دهشة جميل، وقال: عجيب أمرك يا هذا، كيف تعلمت العربية وأنت يوناني؟ - ليس هذا شغلك. - حسن إذن أنت الكاهن الوحيد الذي يقوم بعقد الإكليل، لقد تيسر كل أمر والحمد لله، بالله قم معي فإني أود أن أشرب كاسا، وإذا شئت ألا تشرب فلا تفعل.
التاريخ يثبت بعضه بعضا
في هنيهة كانا في السفنكس بار جالسين في زاوية يشربان معا؛ لأن جورجي لم يستطع الصبر عن الشرب وهو يرى نديما يشرب، وبعد حديث قصير كانت الخمرة تلعب في رأسيهما، فقال جميل باسما: والله لا أقدر أن أعتقد أنك يوناني يا جورجي ولا أصدق أنك تعلمت القراءة العربية هنا، ولفظك للعربية ينم عليك فبالله قل لي: أما أنت سوري؟
فضحك جورجي، وقال: كيف تظن أني سوري لا مصري ؟ - لأن في كلامك كلمات تدل على سوريتك. - ذلك لأني سكنت مدة في سوريا. - لا يقنعني هذا البرهان، فبالله اصدقني أما أنت سوري؟ - لماذا تبحث معي بهذا الموضوع؟ - من قبيل العلم بالشيء فقط، وماذا يضرك أن تقول لي الحقيقة وأنا صديقك الحميم؟ - وهب أني سوري. - إذن لا تنكر ذلك. - لم أعترف به إلا الآن. - وما الداعي لإنكارك جنسيتك بتاتا؟ - لأني أصبحت يونانيا بكل معنى الكلمة. - ولكن هذا لا يستوجب أن تنكر أصلك. - لا يستوجبه، ولكني أقول لك الحق: إني أكره سوريا وأهلها. - وهل تفضل اليونان على السوريين؟ - ألف ضعف. - بالطبع أنت تحكم حسب رأيك وحدك، ولا بد أن تكون قد صادفت سوء بخت في سوريا حتى كرهت أهلها. - بل قد صادفت شقاء.
وكاد جورجي يجهش بالبكاء، فقال له جميل: لقد صدق ظني، أراك متألما ولا بد أن تكون قد بليت بكيد عدو. - لا والله بل قل: بكيد أهل. - يا لله! مهما كان كيد الأهل فلا يبلغ حدا يؤلمك هذا الألم. - إنك لغبي، فما قولك بالمرأة التي تريد أن تزوج ابنتها زواجا كاذبا، أي كيد للفتاة أعظم من كيد أمها لها؟! - صدقت، فهل كادك أهلك بزواج لم ترده؟
Shafi da ba'a sani ba