فضحكت المرأة، وقالت: فهمت أنك تستنكرين أنه يقبلك، فأعذرك إذا نفرت منه؛ لأنك حديثة العهد بالحب؛ ولأن النفور طبع الفتيات وهو الدليل على حشمتهن، ولكن لا يسوغ للفتاة أن تعني بنفورها صدودا وجفاء؛ لئلا تخسر نصيبها الثمين وبختها السعيد.
فقالت الفتاة ساخطة: لا أعرف للنفور إلا معنى واحدا وعليه أن يفهمه، فماذا تنتظرين مني غير أن أنفر؟ - لا بأس أن تنفري تارة دون أخرى. - يا لله، ويحك، أراك تبيعينني لهذا الرجل بيع السلعة الرخيصة. - كلا يا غبية بل إياه أبيع لك رخيصا وهو غال. - نعم تبيعينه لي وتريدين أن أدفع أغلى ما عندي ثمنا له؟ - أتعدين القبلة ثمنا غاليا يا بنيتي؟ - أغلى منه كثيرا. - أتريدين أن تقني سعادتك مجانا؟ - ويلاه إنك تروعينني، ما هذا الدرس الجديد الذي تلقينه علي الآن؟ متى كنت تسوغين أن تمس طهارتي يد؟ - كنت أصونك إلى أن أجد لك النصيب الثمين، وقد وجدته الآن فلا تضيعيه بنفورك يا غبية. - عجيب أمرك، إنك تساومين على فؤادي مساومة، لا ترى نفسي هذا النصيب ثمينا بل بالعكس تراه حقيرا. - لعلك لا تعلمين مقام فهيم السامي وغناه الطائل. - أعلم، أعلم، ولكن كل ذلك لا يرضي قلبي، فأي سعادة في أن أعيش كملكة، وأنا لا أطيق أن أساكن من تحسبينه كالملك بجاهه وغناه؟
فتأففت المرأة وقالت: يا لله، لا أدري لماذا تنفرين من هذا الفتى، وألوف من الفتيات تتمنى أن يبتسم لهن. - تقولين: إنه فتى، وهو أكبر من أبي. - آ، فهمت فهمت؛ تنفرين منه لأنه أكبر منك سنا، ولو كنت عاقلة ما كنت تحسبين الكبر عيبا؛ ولا سيما لأن الفرق بينك وبينه في السن مألوف بين الأزواج. - لا تحاولي سد الأبواب والباب الكبير مفتوح، وهو أني لا أقدر أن أحبه. - متى عاشرته برهة تحبيه من أعماق قلبك، فلاطفيه يا هيفاء، إنه نصيب عزيز تحسدك عليه بنات الأمراء، فإياك أن يفلت من يدك.
فسكتت الفتاة هنيهة ثم قالت متنهدة: إنك تدفعينني إلى الهاوية. - لا تخافي يا بنيتي، إنك مندفعة إلى غبطة عظيمة، سيأتي الآن إليك. فاعتذري له عما فرط منك من الخشونة، وسترين منه رقة ولطفا يسرانك، لا تخسرين شيئا إذا لاطفته يا حبيبتي.
ونهضت المرأة وقبلت الفتاة فقالت هذه: رحماك رحماك لا تدعيه يأتي إلى هنا وحده.
ثم خرجت المرأة إلى القاعة حيث كان فهيم ينتظر، وقالت له: لو سمعت ... - ماذا؟ - تقبل لو تثق أن تكون زوجها. - قلت لك: لا تقربي من هذا الموضوع. - عجيب أن تبعد عنه مع أنه يسهل كل عسير. - قلت لك: لا أقدر أن أتزوج ولا أريد، فلا داعي لتكرار القول. - ولكن إقناع الفتاة صعب إلا بالزواج. - إذن لماذا وعدتني بأن تسهلي صلتي بها؟ - لأنني ظننت أنك تستطيع أن تستميلها. - بماذا أستطيع أن أستميلها بغير المال؟ فقد وعدتها بأن أسكنها قصرا أنيق الرياش يحف فيه الخدم حولها، وأن ألبسها أفخر الحلل وأزينها بأنفس الحلي. - إذن واظب على استمالتها بألطف الأساليب، ولكن لا تدعها تفهم أنها لا تكون زوجة. - ولا أقدر أن أدعها أن تفهم أنها تكون زوجة. - إذن دع المسألة غامضة الآن، وابذل جهدك في ملاطفتها والتحبب إليها ولندع الأمر للمستقبل، قم ادخل إليها الآن فقد مهدت لك سبيل الاجتماع بها.
ودخلت المرأة إلى غرفة الفتاة، وهي لم تزل مضجعة في سريرها، ودخل فهيم وراءها وهي تقول ضاحكة: تعال يا فهيم صافح هيفاء فهي لم تقصد بنفورها ما فهمت أنت، والحق عليك فقد تسرعت في فهم قصدها.
ووضعت يده في يدها وخرجت.
أما فهيم فشعر بأن الفتاة تضطرب، فقال لها: لا تخافي يا حبيبتي إني واقف نفسي على إسعادك فاطلبي ما تشائين.
وعند ذلك أدخل يده الأخرى تحت رأسها وضمها إلى صدره، فاختلجت ونفرت منه، ولكنها كانت بلا قوة، فقال لها: تعالي إلى فؤادي يا مالكته.
Shafi da ba'a sani ba