وفي لحظة حضر المسيو سرار، فقال له المدير: بعد غد الاثنين يأتي المسيو يوسف براق هذا إلى مكتبك، فاشغله بأي ترجمة تريدها.
وقبل أن ينصرف يوسف قال للمدير: أود يا سيدي أن أعلم درجة الوظيفة، التي تعينني بها إذا كنت راضيا كل الرضا عن عملي.
ففكر المدير هنيهة ثم قال: ليس عندنا الآن وظائف بماهية أكثر من 8 جنيهات في الشهر. - وهب أني برهنت بالفعل على أني أهل لأن أشغل وظيفة عالية جدا ... - لا أقدر أن أبحث معك الآن بذلك، فإذا شئت أن تشتغل كما اتفقنا، فتعال غدا وإلا فأنت وشأنك.
واستأنف المدير النظر في أوراقه. - إني آت غدا يا سيدي.
ثم ودعه وانصرف متغيظا، وهو يقول في نفسه: الناس هم هم في كل مكان، وليس من يميز بين الغث والسمين، وإذا كان ذلك الرجل الكهل أوفر موظفي هذا البنك علما، أو ليس بينهم أعلم منه، فلا ريب أن أترقى سريعا، وأكون في عهد قصير ثاني المدير. فلأطاوع هؤلاء الأغبياء صابرا إلى أن تتبرهن لهم أهليتي.
أما ذلك الرجل الكهل، فهو بولس المراني عم نجيب المراني، وقد شغلت باله الرسالة التي قدمها يوسف إلى مدير البنك، وكانت وسيلة للتفاهم بينهما، وعقد النية على أن يطلع عليها ولو خلسة، فتلاهى في مكتبه حتى انصرف المدير من البنك، ودخل إلى مكتبه وبحث عن الرسالة طويلا، فوجدها في سلة الأوراق المهملة ممزقة بعض التمزق، فجمع أجزاءها ورتبها، ولما اطلع عليها كانت له ابتسامة لو رآها يوسف لندم على ما فعل.
حرب بين النفس والقلب
وكان اليوم التالي الأحد والأشغال معطلة، فاغتنم جوزف العطلة، وخرج من غرفته في فندق السياح وذهب يبحث عن غرفة مفروشة أرخص من غرف الفنادق، فطاف عدة جهات فلم يجد غرفة تلائم ذوقه وتسد حاجته.
وأخيرا وجد نفسه عند سبلندد بار، ورأى المكان مكتظا بالناس، فجلس فيه إلى إحدى الموائد، وفيما هو يجيل نظره وقعت عينه على عين ليلى، فخفق فؤاده وقال في نفسه: ويحك يا قلبي ما بالك تستهدف لسهام هذه المتكبرة، أما كفى نفسي هوانا؟
ثم أسرع وشرب قهوته، ونهض لا يلتفت إلى أحد، ومضى يتمشى في رصيف الشارع وهو لا يدري إلى أين يذهب، وما شعر إلا أنه راجع إلى سبلندد بار رغم أنفه، فدخل إلى داخله بحيث لا يراه من هم جلوس خارجه، وجلس في زاوية عند أحد الأبواب، وكان أحد مصراعي الباب مقفلا، فنظر من خلال زجاجه إلى حيث ليلى جالسة، فوجدها مع جماعة «من أهلها طبعا»، وما إن تبينهم جميعا حتى عض على سفلى شفتيه، وكاد يدميها؛ لأنه رأى بين تلك الجماعة ذلك الرجل الكهل، الذي كان يمتحنه في البنك الأميركاني، وجعل يتساءل: ماذا عسى أن تكون نسبة ذلك الرجل إلى ليلى؟
Shafi da ba'a sani ba