Adabin Mutunci Ko Rashin Mutunci
أدب أم قلة أدب
Nau'ikan
أيام الجمعة، يرتدي أبي جلبابه الناصع البياض، ولحيته السوداء الناصعة السواد، يرفعها بكبرياء فوق صدره، ليعبر الشارع صعودا نحو الجامع، نتبعه من ثقب النافذة بنظراتنا المنخفضة ليبدو أكثر طولا، بشاربه الأسود المفتول على هيئة الصقر، سرحته له أمي بالمشط، وبرمته بأصابعها ليبدو أكثر هيبة، دهنته بالمسك، رائحته في أنفي منذ الطفولة حتى اليوم، يحافظ الدهان على تماسك الشعر في مواجهة هبات التراب، والعواصف، أو رياح الخماسين في فصل الربيع والحب.
وأنا كما كنت في طفولتي، جالسة أطل من وراء الثقب في النافذة، أتبعه بنظراتي الواهنة ليصبح أكثر قوة. وما إن يصل إلى باب الجامع حتى يركض نحوه الشحاذون، يغرقونه بالدعوات التي تصعد إلى السماء من البوابات المفتوحة، تلبي السماء طلبات أبي الكبيرة والصغيرة، مثل علاوة أول الشهر، أو زوجة جديدة في عيد الفطر.
لم تكن أمي تذهب إلى الجامع، وإن ذهبت فهي تمشي خلف أبي تحت خيمتها السوداء، لا يراها أحد من الشحاذين، وإن رآها واحد لا تمر يدها إليه، وإن مدتها وخطبت بدعوة أو نصف دعوة، فإن الوقت يكون قد فات وبوابات السماء كلها انغلقت بالقفل.
كانت أختي تشبه أمي، وتحظى بلقب الملاك، تزداد أنوثة وطاعة كل يوم، ليست مثل أختها الأخرى، تلك الأخرى ليست مثلها أبدا، مع ذلك هما متشابهتان إلى حد الإعجاز، حتى بصمة الإبهام الأيمن متشابهة، الدليل الوحيد على إثبات أن الشخص ليس هو الشخص الآخر، وخط اليد عند التوقيع بالاسم الثلاثي، اسم الأب وأبوه وجده، كان متشابها أيضا عند الأختين.
لم يكن إلا المنظار السحري قادرا على اكتشاف الأخت من أختها، وقد عجزت عين الأم وعين الأب عن التفرقة بينهما، وإن تعرى الجسد بالكامل، أو تغطى بالكامل.
بينما كانت أختي تلزم الدار طاعة للرب، كنت أنا أهرب من البيت حين يخرج أبي إلى الجامع، أو حين يذهب إلى الغرزة أو البورصة، أو يسافر إلى الحج أو العمرة، أو أيام الأعياد التي يقضيها مع زوجته الأخرى.
تعودت الهرب أثناء غياب أبي مع رجل من زملائه في الجامعة، أو شخص آخر يشعرني بالحب، وتبحث عني أمي، لا تكاد تعرفني من أختي إلا حين أغيب في الليل أو حين تفتح فمي وتشم رائحة السبرتو، أو تكشف عن أسناني الحادة المدببة، هذه الأنياب كانت تقبض على حلمة ثديها منذ الطفولة، وتقرقش الزلط، وجذور القرنبيط كالحجر تنسحق بين أسنانها في لمح البصر.
وفي ليلة جاء أبي برجل ليتزوجني أنا وأختي معا، لم يملك أبي ما يقيم به حفلتين اثنتين للزفاف، ودفع الرجل لأبي خمسين جنيها مقدم الصداق، والخمسين الأخرى يدفعها مؤخرا عند الطلاق. وعاش الرجل معنا في الغرفة فوق السرير العريض، على الطرف الآخر بجوار الحائط، حيث ترقد أختي ثم أنا ثم أمي ثم أبي، هكذا بالترتيب الدقيق، دون أن يختل النظام بسقوط الظلام، أو فوضى الأحلام في غيبوبة النوم.
منذ ذلك الحادث الأليم أصاب أختي نوع من المرض، كأنما قام أبي بإيلاج خازوق في جسدها أو في عقلها؛ لأن مظاهر المرض لم تكن بادية، سوى أن أختي كفت عن الضحك، كانت تضحك أحيانا، ربما ضحكة واحدة طوال العام، لم يخفف عنها المرض إلا اختفاء الزوج، تلاشى فجأة كما ظهر فجأة دون أن يدفع المؤخر، وحصلت أختي على جائزة الأنثى المثالية، وتم انتخابها عضوة عاملة في الجامعة، وتتويج رأسها بقطعة أكبر من القماش الأسود، وفي العيد ترتدي أختي ثوب أمي المبقع بالدم منذ ليلة الزفاف. أما أنا فكانت أمي تلبسني ثياب الولد، بهدف خداع أبي والقضاء والقدر، كأنما أنا لست أختي أو أمي أو امرأة أخرى من ذوات الثقب. وكنا «أنا وأختي» نؤدي اللعبة تحت السرير، حيث تكون هي الأم، وأنا الأب بكامل الزي واللحية والشارب.
أسمع الضحكة الوحيدة طوال العام تفلت من أمي، ومن أختي، دون خوف من الزوج أو الأب، أو المرحوم الجد وأبيه المغفور له، من السلالة الممدودة إلى السماء، وفي بطن الأرض.
Shafi da ba'a sani ba