Littafin Dabi'un Likita
كتاب أدب الطبيب
Nau'ikan
وإذا فرغ من حوائج الناس، ثم أخذ فى مصالح جسمه، من استحمام، وأكل، وشرب، فعليه أن يعدل ذلك لجسمه، حسب ما يوافقه، بالكمية والكيفية، وبحسب الزمان والمكان. وإن احتاج إلى الأكل مع غيره، فلا يتبع فى أكله وشربه محاباة الأصحاب، بل يأخذ من كل أمر طبيعى، بحسب الواجب، وبمقدار الحاجة، لا بحسب اللذة، ويكون هو المعلم لغيره الصواب فى ذلك. وليجد مضغ ما يأكله، وليمتص ما يشربه. والأحمد للطبيب أن لا يجالس شراب النبيذ، لأنه يضيع زمانه، ويشغل مكانه. وليحذر أيضا مخالطة الأحداث، وكثرة المزاح، فإنه ينشط عليه الجاهل والوقاح.
ولا ينبغى للطبيب أن يجاذب النساء، لئلا يسقط عند العامة والرؤساء. ولا يصلح للطبيب كسب الأموال من التجارة، لئلا يقطعه 〈ذلك〉 عن العلم، ويكسبه الخسارة. ولا يصلح للطبيب التشاغل باللعب والملاهى، لئلا يسخف، ويصير واهيا. ولا يليق بالطبيب الملق، فإنه خلو خلق. ولا يحسن بالطبيب الحسد، فإنه يسقطه عن كل أحد.
وينبغى للطبيب إذا أراد شرب النبيذ، ألا يشربه إلا للانتفاع به، وأكثر ما يمكنه ذلك، إذا شربه وحده. وأحمد أوقات شرب النبيذ له أول الليل، بعد انهضام طعامه، لأنه حينئذ ينفذ الغذاء، ويعين الكبد بحرارته المعتدلة على هضمها لصفوة الغذاء دما، لأن الخمر أقرب الأشياء إلى كون الدم. ويجب أن يشرب من الخمر والماء، بحسب ما يوافقه، ويكون شربه قليلا قليلا، ومنادمته لأهل علمه، أعنى قراءة كتبهم. ولا يزال تارة يقرأ، وتارة ينسخ، وهو بين ذلك يشرب، إلى حين النوم.
فهذا ما كان ينبغى أن أذكره من إصلاح الطبيب لجسمه، كما ذكرت إصلاحه لنفسه فى الباب الذى قبل هذا. وفيما ذكرته فى هذا الباب من مصالح الجسم كفاية لذوى الألباب، والمحبين للآداب.
Shafi 86