147

Littafin Dabi'un Likita

كتاب أدب الطبيب

Nau'ikan

وإذا كان الأمر على ما قلناه، فمن البين أن التوانى فى كثير من الصغائر، وإهمال أمرها، ربما أدخل الفساد على الإمور العظام. فإن الحقير من شرار النار ربما أهلك الخطير من المنازل والمدن. فلذلك يجب على القيم برعاية عامة، والمدبر ملك، أو مدينة، ألا يهمل من مصالحهم حقيرها، فكيف شريفها، وعظيمها!

ومن المعلوم أن لا شئ من المكونات، أشرف من نفس الإنسان، ومن جسمه. وإذا كانت المنافع لهما بطلت، ولا 〈يوجد〉 شئ أنفع من حفظهما وإصلاحهما، فالملك أولى الناس باختيار من عنده هذه المنافع، والمصالح الشاملة، والعامة، ليس لنفسه وجسمه 〈فحسب〉، بل لسائر الناس 〈أيضا〉. وبغير شك أن الحافظ لصحة الأصحاء، والمعالج للمرضى، حتى تعود إليهم صحتهم، هم الذين وهب الله تبارك وتعالى لهم من حكمته علما، يقدرون به على ذلك، مع إرادته. وهؤلاء هم الأطباء. ولما كان قوم قد تغطرسوا على هذه الصناعة، فادعوها بغير معرفة بها، وجب لذلك على الملك خاصة إزالتهم عما غصبوه أولا، ثم ثانيا لأجل ما يدخل على الخاص والعام منهم من الضرر، إذا تميز لهم قليل عددهم، فلا يمكن للمرأة، والسوقى، والغريب، تمييزهم من غيرهم، فيجتنبوهم. فلذلك يكون الضرر، بل القتل، منهم شائعا، وهو بالحقيقة خفى.

〈فيجب على〉 الملك أن يدفع هذه البلية عن جنده، ورعيته، 〈و〉عن نفسه أيضا. إذ كان فى أحايين، قد يصير الملك إلى من لا خبرة عنده بأمور الطب، فربما اضطر الأمر إلى إحضار طبيب، ولا يعلم بأنه غير موثوق به، فيخطئ عليه، ويهلك، فيكون إغفاله اعتقاد ذلك، فى حال صحته، سبب هلاكه. وكذلك يتسبب دائما على خواصه، وعوامه.

فقد اتضح بما قلناه، أن النطر فى أمر الطب خاصة، وإلزام الأطباء بعد محنتهم، واختبار أمورهم، واجب على الملوك أولا، ثم على الرؤساء، ومن إليهم النظر فى مصالح الناس، والعلماء، وأهل العقول.

ولما كان من ذكرناهم بعد الملك، هم أكثر مشاهدة للأطباء وغيرهم من الملك، ويسمعون من أخبارهم ما لا يسمعه الملك، وكان فى إنهاء ذلك، وشرحه للملك، مصلحة للملك أولا، ولهم، ولسائر الناس، وجب عليهم تعريف الملك، وحثه على القيام بصلاحه.

Shafi 155