Littafin Dabi'un Likita
كتاب أدب الطبيب
Nau'ikan
فلأن لا يدنى الطبيب فى وقت من الأوقات — بسبب منفعة من المنافع، ينالها على غير الواجب — مكان الأشياء التى ينتفع بها، أشياء تضر، تقدم بقراط، فعقد فى عنقه هذه الأيمان، فأحلفه أن يكون دخوله إلى المرضى، طلبا لمنفعتهم، لا الإضرار بهم. من ذلك أنه قال لهذا السبب فى ذلك الكتاب، هذا القول قال، بقراط: وجميع المنازل التى أدخلها لمنفعة المرضى ، وأنا بحال خارجة عن كل جور، وفساد.
ثم ذكر جالينوس سببا ثالثا لوضع بقراط لكتاب العهود والأيمان، وهو هذا القول، قال جالينوس: إن الذى قد كان فيما تقدم من معلم الطب إلى أسقليبيوس عهود وأيمان، تمنعهم من تعليم صناعة الطب أحدا خلا أولادهم. وكانت المواضع التى يتعلم فيهالطب ثلاثة، أحدها فى مدينة رودس، والآخر بمدينة قو، والثالث بمدينة قنيدس. إلا أن التعليم الذى كان بمدينة رودس، وبمدينة قنيدس، باد بسرعة، لأنه لم يكم لأبنائهم نظر، وذلك لأن الوارثين له كانوا نفرا يسيرا. وأما الذى بمدينة قو، فثبت منه بقايا يسيرة، لثبات الوارثين له. فلما نظر بقراط إلى صناعة الطب، قد قربت من التلف، بسبب هذه الأجناس الثلاثة، ونقصانهم، أحب أن يذيعها فى جميع الناس، كيلا تبيد. ولئلا يظن أنه قد أخطأ، فيما بينه وبين ربه، جعل المتعلمين للطب أبناء له، بما عقد فى رقابهم من الأيمان. وبيان ذلك فى قوله فى كتاب الأيمان هذا القول، قال بقراط: وأرى أن المعلم لى هذه الصناعة بمنزلة أبى، والجنس المتناسل منه مساو لأخوتى.
قال جالينوس: فبعد أن جعل المتعلمين للصناعة أبناء، علمهم إياها، من غير أن يكون فى ذلك على ذم وخطأ فيما بينه وبين الله تعالى.
وإذ قد اتضح بما حكيناه عن القدماء، كيف شرف صناعة الطب فى الدهور السالفة، فلنقل بعد ذلك ما الأسباب التى قد أوجبت فى هذا الزمان سقوطها، فنقول: إن لذلك أسبابا نذكر جملتها. أحدها هو ما قد دخل 〈على〉 الداخلين فيها من الطمع، والثقة بإنه لا يفتقد عليهم منها علم، ولا عمل. فسهلوا على نفوسهم، فتركوا النظر، والقراءة، والخدمة، ومالوا إلى الملق، والمخرقة، والتغلغل فى أنواع الحيل. فضاعت الحقائق، وافتقد الناس فى علاج ذلك الملوك، ومن لهم القدرة على افتقاد ذلك واصلاحه.
والسبب الثانى استهانة الناس بحقوق الأطباء، فى ضروب الإكرام، والمكافأة. فاحتاج الأطباء أن يحتالوا لهم، مع الطب، معاشا آخر، من تجارة، ودكان، وحيلة. فعرض من ذلك استهانة بالصنائع، لما خست ثمرتها. ولما فعلوا ذلك، خسوا ، وأسقطوا الصناعة، فكان الأمر فى ذلك شبيها بالشئ الدائر على ذاته بالعكس، أعنى أنهم كلما هربوا هانوا، وكلما هانوا هربوا.
Shafi 139