ومهما أمكنه الفرق بين المسألتين لم يجز له على الأصح التخريج، ولزمه١ تقرير النصين على ظاهرهما معتمدًا على الفارق، وكثيرًا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق٢، والله أعلم.
الحالثة الثالثة٣: أن لا يبلغ رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس٤ حافظ لمذهب إمامه، عارف٥ بأدلته، قائم بتقريرها، وبنصرته، يصور، ويحرر، ويمهد، ويقرر، ويزيف، ويرجح، لكنه قصر عن درجة أولئك، إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم، وإما لكونه لم يرتضي في التخريج والاستنباط كارتياضهم، وإما لكونه غير متبحر في علم أصول الفقه على أنه لا يخلو مثله في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أداته٦، على أطراف من قواعد أصول الفقه، وإما لكونه مقصرًا في غير ذلك من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه والطرق. وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الخامسة٧ من الهجرة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف بها معظم اشتغال الناس اليوم، ولم يلحقوا بأرباب الحالة الثانية في تخريج الوجوه، وتمهيد الطرق في المذهب.
_________
١ في ج "فلزمه" وطمست في ف.
٢ نقل الإمام النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح رحمه الله تعالى في المجموع: ١/ ٧٨.
وانظر التبصرة: ٥١٦، وجمع الجوامع: ٢/ ٣٨.
٣ "الرد على ... " السيوطي: ٩٧.
٤ فقه النفس: هو استعداد فطري يؤهله للاجتهاد. قال إمام الحرمين في البرهان: ٢/ ١٣٣٢ فقرة "١٤٩٠": ثم يشترط "أي للمفتي والمجتهد" وراء ذلك كله فقه النفس فهو رأس مال المجتهد، ولا يتأتى كسبه، فإن حيل على ذلك فهو المراد، وإلا فلا يتأتى تحصيله بحفظ الكتب.
٥ في ف وج "عارفًا".
٦ في ف وج "أدلة" وفي ش "أدلته".
٧ في المجموع: ١/ ٧٩ "الرابعة" وانظر "الإحكام": ٢/ ١٧٢، و"مسلم الثبوت": ٢/ ٣٩٩، و"جمع الجوامع": ٢/ ٣٩٨.
1 / 98