إن كان لك بخت ستفطن، وإن فطنت وتغافلت فما حيلتي؟
قال: ولما خرج الرشيد إلى الري أخذ أخته علية. فلما صار بالمرج عملت شعرا وصاغت فيه لحنا
من الرمل. وكتبت الأبيات ليلا على بعض الفساطيط في طريق الرشيد. فلما دخل إلى مضرب الحرم
بصر به، فقرأه، وإذا هو:
ومغترب بالمرج يبكي لشجوه وقد غاب عنه المسعدون على الحب
إذا ما أتاه الركب من نحو أرضه تنشق يستشفي برائحة الركب
فلما قرأه علم أنه من فعل علية، وأنها قد اشتاقت إلى العراق، وإلى أهلها. فأمر بردها.
وذكر أن أبا الهندي دخل إلى خمار بموضع يقال له كوى زيان وتفسيره سكة الخسران، وعنده
جماعة. فاصطبح، فسكر قبلهم، فنام. وقالوا: ما فعل؟ فأعلمهم. فقالوا: ألحقنا به. فشربوا حتى ناموا،واستيقظ أبو الهندي فرآهم، فسأل عنهم، فعرف حالهم. فقال: ألحقني بهم. وانتبه القوم، وأخبرهم
الخمار خبره. فقالوا: ألحقنا به. فأقاموا عشرا لا يلتقون. فلما أراد أبو الهندي الانصراف قال لهم: يا
إخواني، قد طال مقامنا بدار واحدة من غير اجتماع ولا معاشرة، وقد أزف رحيلي فهل لكم في
مساعدة على وشوج حال بيني وبينكم؟ فقالوا: نحن أشهى لهذا منك وأحرص عليه أيضا. فشرب أبو
الهندي معهم يومه أجمع وقال في ذلك:
الآن تم لي السرور بقربكم وعلمت أن الدهر قد واتاني
حان الرحيل وحال دون لقائكم صرف الزمان وطارق الحدثان
فعليكم مني السلام مضاعفا توديع ذي شغف بكم حيران
فلما عزم على الرحيل كتب على جدار البيت الذي كان فيه:
ندامى بعد عاشرة تلاقوا تضمهم بكوى زيان راح
رأوني في الشروق على وسادي يفيض بمهجتي ود مباح
فقالوا: أيها الخمار من ذا؟ فقال أخ تخونه اصطباح
Shafi 14