Adabin Duniya da Addini
أدب الدنيا والدين
Mai Buga Littafi
دار مكتبة الحياة
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
1407 AH
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
Tariqa
الْآخِرَةَ دَارَ قَرَارٍ وَجَزَاءٍ، فَلَزِمَ لِذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَ الْإِنْسَانُ إلَى دُنْيَاهُ حَظًّا مِنْ عِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى بِهِ عَنْ التَّزَوُّدِ مِنْهَا لِآخِرَتِهِ، وَلَا لَهُ بُدٌّ مِنْ سَدِّ الْخَلَّةِ فِيهَا عِنْدَ حَاجَتِهِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَوْلِ نَقْضٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ تَرْكِ فُضُولِهَا، وَزَجْرِ النَّفْسِ عَنْ الرَّغْبَةِ فِيهَا. بَلْ الرَّاغِبُ فِيهَا مَلُومٌ، وَطَالِبُ فُضُولِهَا مَذْمُومٌ. وَالرَّغْبَةُ إنَّمَا تَخْتَصُّ بِمَا جَاوَزَ قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَالْفُضُولُ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﷺ ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ [الشرح: ٧] ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ [الشرح: ٨] . قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: فَإِذَا فَرَغْت مِنْ أُمُورِ دُنْيَاك فَانْصَبْ فِي عِبَادَةِ رَبِّك. وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ تَرْغِيبًا لِنَبِيِّهِ ﷺ فِيهَا، وَلَكِنْ نَدَبَهُ إلَى أَخْذِ الْبُلْغَةِ مِنْهَا. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ ﷺ: «لَيْسَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ وَلَا الْآخِرَةَ لِلدُّنْيَا، وَلَكِنَّ خَيْرَكُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْ هَذِهِ وَهَذِهِ» . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «نِعْمَ الْمَطِيَّةُ الدُّنْيَا فَارْتَحِلُوهَا تُبَلِّغُكُمْ الْآخِرَةَ» . وَذَمَّ رَجُلٌ الدُّنْيَا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - فَقَالَ ﵁: الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ نَجَاةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا. وَحَكَى مُقَاتِلٌ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: يَا رَبِّ حَتَّى مَتَى أَتَرَدَّدُ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا؟ فَقِيلَ لَهُ: أَمْسِكْ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ طَلَبُ الْمَعَاشِ مِنْ طَلَبِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: إذَا كَانَ فِي الْبَيْتِ بُرٌّ فَتَعَبَّدْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاطْلُبْ، يَا ابْنَ آدَمَ حَرِّكْ يَدَك يُسَبَّبْ لَك رِزْقُك. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَيْسَ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا اكْتِسَابُ مَا يَصُونَ الْعِرْضَ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: لَيْسَ مِنْ الْحِرْصِ اجْتِلَابُ مَا يَقُوتُ الْبَدَنَ. وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ:
لَا تُتْبِعْ الدُّنْيَا وَأَيَّامَهَا ... ذَمًّا وَإِنْ دَارَتْ بِك الدَّائِرَهْ
مِنْ شَرَفِ الدُّنْيَا وَمِنْ فَضْلِهَا ... أَنَّ بِهَا تُسْتَدْرَكُ الْآخِرَهْ
1 / 131