من جنس تأويلات الباطنية والقرامطة، التي يعلم بالضرورة أنها باطلة، وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه" (١).
...
قدّمنا بيانًا لمذاهب العلماء في عصمة الأنبياء، وما يحتج به لكل قول، ونحن نبيِّن ما نختاره، ونرّتب ذلك بحسب ما يقال بالعصمة منه.
أولًا: دعوى الرسالة ومجموع القرآن والشريعة:
فما وقعت المعجزة مصدقة له من صحة دعوى الرسالة، وأن القرآن والشريعة من عند الله تعالى، وما بلّغه ﷺ وأثبته بالمعجزة، فكل ذلك مقطوع بالعصمة من أي خلف فيه، بدليل المعجزة المتقدم ذكرها.
ثانيًا: تبليغ الآيات وبيان الأحكام بالقول والفعل:
تقدم أن هذا الأمر مجمع على العصمة من الإقرار عليه، فما استقرّ في الشريعة مما أبلغه ﷺ أمته لا بد أن يكون من عند الله تعالى، بدلالة الإجماع كما تقدم. وبدلالة قوله تعالى: ﴿ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين﴾ (٢)، وقوله: ﴿فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته﴾ (٣)، وقوله: ﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذًا لاتخذوك خليلًا * ولولا أن ثبّتْناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا * إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرًا﴾ (٤).
لكن هل يتصور أن يصدر ما فيه خلف فيصحّح، أو لا يتصور صدروه أصلًا، هذا موضع الاشتباه، وعنده اختلفت الأنظار. وظاهر الآيات السابقة مشعر بإمكان ذلك، ومنهم من نقل الإجماع على امتناعه كما تقدم، والله أعلم.
(١) مجموع الفتاوى الكبرى، مطبعة، كردستان العلمية، ٢/ ٢٨٣
(٢) سورة الحاقة: آية ٤٤
(٣) سورة الحج: آية ٥٢
(٤) سورة الإسراء: آية ٧٣