161

Acts of the Messenger ﷺ and Their Indications for Sharia Rulings

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Mai Buga Littafi

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Lambar Fassara

السادسة

Shekarar Bugawa

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Inda aka buga

بيروت - لبنان

Nau'ikan

وبعضهم لم يستند في منعه إلى العصمة، وإنما لم يحمل فعله ﷺ على الكراهة لأن الظاهر وقوفه ﷺ عند النهي لا يتجاوزه. قال القرافي: "إن فعل النبي ﷺ، لا يقع فيه محرّم لعصمته، ولا مكروه لظاهر حاله". ومعنى هذا وجود احتمال ضئيل بكون فعله ﷺ مكروهًا، ولكن لا أثر لذلك الاحتمال في منع استفادة الأحكام من الأفعال. ولعلّ هذا مراد ابن السبكي في قوله في جمع الجوامع: (وفعله ﷺ غير محرَّم للعصمة، وغير مكروه للندرة) (١).
الوجه الثاني:
أن يفعل المكروه عَمْدًا ليبيّن الجواز. وذلك أن المكروه جائز، لعدم الإثم واللوم في فعله، وإن كان تركه أولى لأن في تركه أجرًا. فإذا أُريد بيان ذلك، أي بيان أن الفعل غير محرم، فقد يبيّنه ﷺ بأن يفعله، فإذا فعلهُ علم أنه غير محرم. والفعل حيئنذ في حق النبي ﷺ واجب من جهة البيان كما تقدم. فلا يقال إنه وقع في الكراهة، بل هذا في حقه من باب تعارض المصلحة والمفسدة، فإن في فعله مصلحة البيان، ومفسدة مخالفة النهي، ومصلحة البيان أرجح.
وقد تكون المصلحة غير البيان، فيفعل المكروه لأجلها، كالتهاجر ثلاثًا، فإنه في الأصل مكروه، ويجوز لمصلحة التأديب.
وقد نقل ابن تيمية (٢) عن القاضي (أبي يعلى الحنبلي)، المنع من فعله ﷺ المكروه لبيان الجواز، محتجًّا بأن فعله ﷺ يفهم منه انتفاء الكراهية، فيختلّ البيان. وربما استُدلَّ لهذا القول بقول النبي ﷺ: "ما بال قوم يتنزّهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي" (٣). والمكروه إنما يترك تنزهًا. وقد أنكر النبي ﷺ التنزه عن مثل فعله، فدل على أنه لا يكون مكروهًا.
والصواب جواز هذا النوع، لأنه يحصل به البيان المطلوب، ويمكن التنبيه على كراهته بالقول، إذا لم تعلم بالقرائن.

(١) جمع الجوامع مع شرح المحلى ٢/ ٩٦
(٢) المسودة في أصول الفقه ص ٧٤
(٣) البخاري ومسلم وأحمد (الفتح الكبير).

1 / 167