ولمّا ملك صلاح الدين يوسف حلب زاره في بعض الأيّام وأطلق له عشرة آلاف درهم. ولمّا ملك ولده الملك الظاهر حلب اهتمّ به ووقف عليه رحىً تُعرف بالكماليّة وكان مبلغ خراجها ستّة آلاف درهم في كل سنة وأرصدها في شراء كعك وحلو في ليالي الجمع لمن يكون به. وفوّض النظر في ذلك لنقيب الأشراف يومئذ السيّد الشريف الإمام العالم شمس الدين أبي عليّ الحسين بن زُهرة الحسينيّ والقاضي بهاء الدين أبي محمّد الحسن بن إبراهيم بن الخشّاب الحلبيّ.
ولمّا ملك ولده الملك العزيز حلب استخرج منه بهاء الدين المذكور إذنًا في إنشاء حرم إلى جانبه فيه بيوت يأوي إليها من انقطع إلى هذا المشهد فأذن له فشرع في بنائه واستولت التتر على حلب قبل أن يتمّ. ولمّا استولوا دخلوا إلى هذا المشهد وأخذوا ما كان الناس قد وقفوا عليه من الستور والبسط والفرش والأواني النحاس والقناديل الذهب والفضّة والشمع وكان شيئًا لا يحصره عدّ ولا يحويه حدّ وشعّثوا بناءه ونقضوا أبوابه. فلمّا ملك السلطان الملك الظاهر حلب جدّده ورمّه وأصلحه وعمل أبوابه ورتّب فيه إمامًا ومؤذّنًا وقيّمًا.
ومنها مشهد يُعرف بمشهد الأنصاريّ وهو قلبيّ جبل جّوشَن في طرف الياروقيّة. قال الشيخ أبو الحسن عليّ بن " أبي بكر " الهرويّ: في هذا المشهد قبر عبد الله الأنصاريّ كما ذكروا. وذكر كمال الدين في تأريخه قال: أخبرني والدي ﵀ قال: رأت امرأة من نساء أمراء الياروقيّة في المنام قائلًا يقول: " ها هنا قبر الأنصاريّ صاحب رسول الله ﷺ ". فنبشوا فوجدوا قبرًا فبنوا عليه هذا المشهد وجعلوا عليه ضريحًا. ودثر المشهد المذكور فجدّدته أزانيلوفَر عتيقة الأمير سيف الدين عليّ بن عَلَم الدين سليمان بن جَنْدَر. ولمّا توفيّ معتقها الأمير سيف الدين المذكور في سنة اثنتين وعشرين انقطعت إليه وقامت بأود من يرد عليه من الزوّار في كلّ وقت تُطعمه الحلو وتسقيه الجلاّب إلى أن تُوفّيت وبقي به من إمائها وحفدتها من يقوم به إلى أن استولى التتر فتشعّث بناؤه بعيثهم.
ومنها المشهد الأحمر وهو في رأس جبل جَوشَن يقصده أهل حلب في مهمّاتهم ويدعون فيه لكشف ما نزل بهم فيُستجاب لهم ورأى بعض الصالحين في النوم فاطمة بنت رسول الله ﷺ تصلّي في البيت الذي في الجدار القبليّ منه. وهذا البيت الذي يُزار ويٌصد، بنى المشهد بعض أهل زماني قبّةً جليلةً عالية البناء وبنى فيه صهريجًا.
ومنها مشهد يُعرف بعليّ عم وهو بشاطئ نهر قويق الغربيّ ويقال إنّ بانيه من أولاد العُلَّيْقيّ بمنام رآه وكان موضعه حانةً. فلمّا بُني باعد الله بين بقعته وبينها وطهّرها.
ذكر ما في قرى حلب وأعمالها من المزارات
من ذلك: مشهد يقال له مقام إبراهيم الخليل عم بقرية نوايل من شرقيّ حلب على جبل يُزار مشهور البركة.
وبقرية بُراق من أعمال حلب معبد يقصده الزَمْني والمرضى من الأماكن فيبيتون به فإما يبصر المريض من يقول له: دواؤك في الشيء الفلانيّ أو يبصر من يمسح بيده عليه فيقوم وقد بريء بإذن الله تع.
ومن شماليّ حلب عمود ينذره المسلمون واليهود والنصارى يقال إنّ تحته قبر نبيّ.
ومنها مشهد الرجم وهو بأرض آرَلْ جوار عنادان على رأس جبل مشرف على بلد الأرتيق يُزار ويتبرّك به وفيه سرادب قيل إنّ فيه نبيًّا مدفونًا وإنّ قومه رجموه بهذا المكان.
1 / 22