وذهب الثنوية «٦» من المتباينة إلى إثبات قديمين هما عندهم نور وظلمة يحدث الخير عن النور والشر عن الظلمة وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن النور والظلمة لا ينفكان أن يكونا جسما أو جوهرا أو عرضا، وجميعها محدثة فدل على حدوثهما.
والثاني: أن الظلمة ليست بذات وإنما هي فقد النور عما يقبل النور، ولهذا إذا فقدنا النور في الهواء تصورناه مظلما فلم يجز أن يوصف بقدم ولا يضاف إليها فعل.
وذهب المجوس إلى أن الله تعالى والشيطان فاعلان، فالله تعالى فاعل الخير وخالق الحيوان النافع، والشيطان فاعل الشر وخالق الحيوان الضار، قالوا: لأن فاعل الشر شرير ويتعالى الله عن هذه الصفة، وجعلوا الله تعالى جسما وإن كان قديما. واختلفوا في قدم الشيطان، فقال به بعضهم وامتنع من قدمه زرادشت وأكثرهم واختلفوا في علة حدوثه، فزعم زرادشت أن الله تعالى استوحش ففكر فكرة رديئة فتولد منها (اهرمن) وهو إبليس.
وقال غيره، بل شكّ فتولد الشيطان من شكه. وقال آخرون: بل حدث عفن فتولد الشيطان من عفنه وهذه أقاويل تدفعها العقول، أما جعلهم الله تعالى جسما، فدليلنا على حدوث الأجسام يمنع أن يكون الله تعالى مع قدمه جسما.
ودليلنا على الثنوية يمنع أن يكون الشيطان معه ثانيا وإثبات قدرته يمنع أن يكون مغلوبا وعلمه بمنع أن يكون شاكا أو مفكرا وانتفاء الحزن عنه يمنع أن يكون مستوحشا وامتناع الفساد عليه يمنع أن يكون عفنا. وقولهم أن فاعل الشر شرير قيل خروجه عن قدرته مثبت لعجزه فوجب أن يدخل في عموم قدرته.
_________
(٦) ويسمون أيضا: المثنوية، وهي مشتقة من مثنى، لقولهم بقدم اثنين: النور والظلمة.
1 / 24