دفعني إلى هذه المحاولة ما أشعر به وأراه من تهديد خطير تعرض ويتعرض له هذا التراث الخالد الزاخر بكل ما يوحد الأمة الإسلامية ويجمع شملها، من تجاهل ، ونسيان ، وغمط وإهمال ، وطمس ، وتشويه ، ومسخ ، وهجوم ، وتحامل ،لم يتعرض له تراث مذهب من مذاهب الإسلام . فقد تواطئت على هدمه ومحاولة إلغاء وجوده وطمسه دول الجور والظلم والإرهاب المتعاقبة التي رأت فيه خطرا داهما عليها، يكشف للأمة ظلمات زيفها وتضليلها وانحرافها، ويدعوها إلى الخروج على الظلم ، والثورة على الجور ، والتفكير بالخلاص من الاستعباد والإذلال ، والجهاد في سبيل رفع كلمة الله، وإعلاء راية العدل والتوحيد والحرية والمساواة. وقد شنت على هذا الفكر والمنتمين إليه حربا لا هوادة فيها، ولوحق حاملوه تشريدا ، ونفيا ، وحبسا ، وقتلا ، في أصقاع الأرض ، وفي شتى الأحقاب والعصور ، حتى انحصر في الأصقاع النائية ، البعيدة عن نفوذ دول الجور ، في الجيل والديلم ، والمغرب ، أو جبال اليمن . وحتى انحصر أخيرا في بقعة ضيقة من رقعة العالم الإسلامي الواسعة ، تمثلث في جزء من أرض اليمن العزيز التي وجد فيها الملاذ ، ووجدت فيه العدل والحق والخير والسلام، وبقي تراثه الخالد محصورا مدفونا في زوايا الإهمال والنسيان ، مهددا عرضة للضياع في آخر معاقله، لظروف كثيرة: أهمها ضعف وتقاعس وإهمال المنتمين إليه من جهة، وقلة الإمكانيات البشرية والمادية التي تمكنه من الإنتشار، وتحفظه من الضياع والاندثار، والهجمة الشرسة التي يتعرض لها اليوم من الحكام ، والفرق ، والطوائف ، والجماعات المختلفة التي اجتمعت على حربه وطمسه ومحاولة إزالته من الوجود ، تحت شعارات ولافتات ومسميات شتى ، ولأسباب سياسية واجتماعية متعددة ، حتى أصبح غريبا ، وأضحت كنوزه المدفونة عرضة للضياع والإندثار، وهاهي آلاف الكتب والأبحاث والرسائل في زوايا الإهمال والنسيان، لم يهتم بنشرها وإخراجها إلى النور إلا القليل ممن أعاقتهم الإمكانيات المادية عن أدنى ما يمكن عمله في هذا الصدد، وهاهي عشرات ومئات وآلاف المخطوطات تسرق ، وتنهب ، وتباع، وتذهب إلى مختلف مكتبات العالم ، وأغلبها في مكتبات العالم الغربي الذي هو في شغل عنها بفكره وتراثه، وهاهي عشرات المخطوطات قد لقيت الإهمال والضياع والتمزيق والاندثار، من خلف جاهل لم يقدر قيمتها ، ولم يعرفها حق المعرفة ويدرك أنها هويته وتاريخه وجزء من كيانه ووجوده.
لقد كان للحرب اليمنية التي اشتعل أوارها في العام المنصرم 1994م أثر كبير على النفوس والقلوب، فبعد وحدة اليمن، وأربع سنوات سميت (بالمرحلة الإنتقالية) سادها الصراع على الساحة السياسية، والاختلاف على تقاسم الكراسي والمناصب والنفوذ، والانفلات والفوضى التي هزت اقتصاد اليمن ولم يكن من محاسنها سوى الهامش الضئيل من الحرية الفكرية. فوجئ الناس بالإنفجار المريع ، بعد أحداث وقضايا كانت مقدمة طبيعية لهذا الإنفجار، قادت إليه، وغيبت كل أصوات العقل ودعوات السلام، كان آخرها الاقتتال المريع بمعسكر الثورة بعمران بين اللواء الأول من الفرقة الأولى مدرع واللواء الثالث مدرع في معركة استمرت قرابة عشرين ساعة اسفرت عن عشرات الضحايا والخسائر المادية.
Shafi 23