Alamun Tunani Na Musulunci a Zamanin Zamani
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Nau'ikan
وكان كثير الاشتغال بأمور المسلمين، دائم الهموم لما أصابهم من التأخر في مشارق الأرض ومغاربها، منتظرا فرجا يأتيهم، ولطفا من الله يحفهم، فتقوم فيهم دولة شعارها الدين تقوى على جمع شملهم؛ ولذلك لما قام المهدي بالسودان وانتصر انتصاراته المشهورة واستولى على البلاد السودانية، أحسن المترجم فيه الظن وقام بنصرته بقلبه ولسانه، وبلغ الإنجليز ذلك فسيروا وراءه عينا يخبرهم بحركاته وسكناته، وكاد يقع فيما لا تحمد عقباه، لولا أن سلمه الله.
ولمداومة اشتغاله بالإقراء وتربية النفوس لم يؤلف تأليفا، غير أن نظارة المعارف لما كلفت كل مدرس أن يجمع ما يلقيه من الدروس، وكان يدرس التفسير بمدرسة دار العلوم،
3
شرع في جمع ذلك في كتاب سماه «عنوان البيان» لم يطبع منه غير المقدمة سنة 1316ه أي قبل وفاته بسنة.
ومن غريب المصادفات أنه زارني
4
قبل وفاته بيومين في ليلة مقمرة، فجلسنا في صحن الدار نلعب الشطرنج، وكان مولعا به مع قلة إجادته فيه، فقال لي عندما أراد الذهاب: نحن الآن في الامتحان، وقد قربت الإجازة، وصدري ضيق في هذه الأيام من الناس، ونفسي تجنح للعزلة، فهل تعرف لي مكانا أقضي فيه بعض أيام بعيدا عنهم؟ فقلت: يا سيدي، إذا انتهى الامتحان فالأوفق أن نسافر معا إلى ضيعتنا التي بقويسنا فنخلو فيها بكتاب نقرؤه. فقال: نعم الرأي هذا، وسأستصحب معي ولدي حسنا ليشترك معنا في القراءة، ثم لم يمض يومان حتى نقله الله إلى جواره ويسر له العزلة ولكن في دار قراره، فأصبت فيه مصيبة لم أصبها في بعيد ولا قريب؛ لما كان له علي من الفضل، ولو لم يكن له علي سوى تصحيح العقيدة وتأديبي بآداب الحنيفية السمحة لكفى.
أما سبب اجتماعي به وقراءتي عليه فإني كنت خرجت من المدارس بعد تلقي ما يتلقى بها من العلوم المعروفة وأنا في سن العشرين، وقد علق بالعقيدة شيء من آثار التربية بهذه المدارس، إلا أني كنت مولعا من الصغر بالإسلام ومحاسنه، والمطالعة في السيرة النبوية ومناقب الأصحاب والخلفاء الراشدين، فكان ينشرح صدري لأشياء وينقبض من أشياء تعرض لي فيها شبهات، ثم كنت أعرض ما يظهر لي من مكارم الشريعة ومقاصدها على ما عليه الناس من البدع والمحدثات التي تمسكوا بها وجعلوها من الأصول الدينية، فأجد التناقض والتصادم، فصرت أتردد على كثير من كبار علماء الأزهر وغيرهم لعلي أجد عندهم مفرجا، فأراهم أحرص من العامة على هذه الخزعبلات، حتى كدت أحكم بأنها من الدين، وأن الأمر دائر بين شيئين: فإما أن يكون الدين دين خرافات وخزعبلات تنفر منها الطباع السليمة. وإما أن يكون ما نراه حقا ولكن يمنعنا من قبوله إلحاد تأصل في النفس، حتى أرشدني بعض الأصحاب للمترجم ، فأخذت في السؤال عنه من أهل العلم، فكانوا ينفرونني منه، حتى بالغ بعضهم - عامله الله بما يستحق - ورماه بالزندقة. فقلت: إذا كنت لم أجد طلبتي عند من تسمونهم بالصلاح والورع، فلعلي أصيبها عند الزنادقة، ثم سعيت في الاجتماع به، وسألته القراءة عليه والاهتداء بهديه، فقرأت عليه العلوم العربية والمنطق، وأعدت عليه الصرف بتوسع وعلوم البلاغة، ثم قرأت طرفا من الحكمة في شرح الدواني على هياكل النور للسهروردي، وشرح «رسالة الزوراء» وغيرهما. ولما رآني مجدا في التحصيل، قرر لي درسا ثانيا بعد العشاء كنا نقرأ فيه كتب الأدب ونحوها، وأنا في كل هذه المدة أستوضح منه ما أشكل علي فيحله لي، فكان اجتماعي به ومصاحبتي إياه من أكبر نعم الله علي في ديني.
وكثيرا ما كان يغضب مني ويؤنبني إذا رأى مني تهاونا في الصلاة، فعليه رحمة الله تعالى.
مصطفى السفطي
Shafi da ba'a sani ba