Alamun Tunani Na Musulunci a Zamanin Zamani
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Nau'ikan
ولما عزل الخديو إسماعيل، وتولى بعده ولده محمد توفيق، شغف أيضا بالمترجم كوالده وقربه، وأحله محله من القبول، حتى قامت الثورة العرابية وسافر الخديو إلى الإسكندرية، فانضم الشيخ علي الليثي للعرابيين اضطرارا أو اختيارا، فلما انتهت الثورة العرابية وعاد الخديو للقاهرة لم يؤاخذه وصفح عنه، وقابله المترجم بقصيدة، مطلعها:
كل حال لضده يتحول
فالزم الصبر إذ عليه المعول
تبرأ فيها من الفتنة وأبان عذره في الانضمام إلى العرابيين، وزاد بعد ذلك الخديو في تقريبه وإكرامه، ولا سيما بعد أن بنى قصره بحلوان، وصار يسافر إليه كل أسبوعين في سفينة بخارية، فإنه كثيرا ما كان يسافر بالسفينة نفسها لزيارة الشيخ الليثي في ضيعته بشرق أطفيح حيث يتناول الطعام عنده ويقيم يوما في ضيافته، وهو شيء لا يفعله مع غيره.
ولهذا اعتنى المترجم بتلك الضيعة فغرس فيها البساتين والكروم، وبنى قصرا صغيرا لنزول الخديو وحرمه وحاشيته، ولم يزل هذا شأنه معه حتى مات الخديو، وتولى بعده ولده عباس فلم يكن للشيخ حظ معه كحظه مع أبيه وجده؛ ولذلك جعل أكثر إقامته بتلك الضيعة يشتغل باستغلالها ومطالعة كتبه، فإذا حضر إلى القاهرة نزل بداره التي بجهة باب اللوق فيقيم بها أياما ثم يعود، ولم يزل كذلك حتى اعتلت صحته وطال مرضه أشهرا حتى توفاه الله إلى رحمته يوم السبت 10 من شعبان سنة 1313ه عن سن عالية، وقد شبع من الأيام وشبعت منه، ونال من العز والجاه إلى مماته ما لم ينله غيره.
وكان رحمه الله آية في حسن المجالسة، محببا إلى القلوب، أديبا شاعرا، حاضر الجواب، فكه الحديث، إذا عرفه إنسان تعلق به وكره مفارقته، مع أنه كان دميم الصورة أطلس، ليس في وجهه إلا شارب خفيف وشعرات على ذقنه.
ولما حضر لمصر السلطان برغش سلطان زنجبار ندبه الخديو إسماعيل لمرافقته ومجالسته، فلازمه مدة مقامه بالقاهرة، وأعجب السلطان به إعجابا شديدا، ثم لما عاد لبلاده صار يتعهده بالرسائل والهدايا من العنبر ونحوه كل سنة فيهدي هو أخصاءه وأصحابه، وكذلك ما كان ينتج ببساتينه من غرائب الفاكهة وأصناف الأعناب النادرة كان موقوفا جميعه على الهدايا لا يبيع منه شيئا.
وكان أدباء مصر وفضلاؤها يقصدونه في تلك الضيعة، فينزلهم على الرحب والسعة، ويقيمون عنده الأيام والأشهر، وهو مقبل عليهم بكرم خلقه ولطائفه ومحاضراته المستحسنة، وقد يقيم الإنسان عنده شهرا أو أكثر وهو يؤنسه كل يوم بحديث جديد لا يعيده.
واقتنى خزانة كتب نفيسة اجتمعت له بالإهداء والشراء والاستنساخ، وكان يبذل الأثمان العالية في الكتب النادرة، فجلبت له من الآفاق وعرفه تجار الكتب والوراقون فخصوه بكل نفيس منها، ثم لما مات اقتسمها ورثته.
ومما وقفنا عليه للشيخ الليثي من الشعر قصيدة رثاء في محمد سلطان باشا - من أعيان الصعيد الذين تقلدوا مناصب في الدولة آخرها رياسة مجلس شورى القوانين في عهد الخديو محمد توفيق - وكان قد سافر إلى أوروبا لمعالجته من علة لم تفد فيها معالجة أطباء مصر، ووافاه أجله في مدينة غراتس بالنمسة، ونقلت جثته إلى القطر المصري في أوائل شهر ذي القعدة سنة 1301ه، وكان مطلع قصيدته:
Shafi da ba'a sani ba