Ƙidaya da Gina Dan Adam
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
Nau'ikan
إن معظم الأفراد الذين يكونون في وضعها، بمفردهم في إحدى الغابات، لا يتمكنون من النجاة، وينطبق الأمر نفسه على الذين يضلون طريقهم في غير ذلك من الأنظمة البيئية البدائية غير المألوفة. وتاريخ الملاحة في المحيطات يمتلئ بقصص المستكشفين الذين اضطروا إلى الاعتماد على الخبرة المحلية لمجتمعات السكان الأصليين، حين كانوا يرسون في بيئات طبيعية جديدة. أما «برامج الواقع» التي تعرض على التلفاز، والتي تقوم على أساس تصوير أفراد يعيشون في البرية دون مساعدة خارجية، فعادة ما يكون تنفيذها ممكنا لأن الناجي «المنعزل» الذي يجري تصويره مزود بالأدوات الأساسية، وهو يحصل على الدعم من فريق من المنتجين الذين أعدوه بطرق مختلفة للعيش في البيئات التي «سيترك فيها» مع طاقم الفيلم المزود بقدر كاف من المؤن. وبالرغم من أنه قد يكون أمرا مخزيا، فأنا أو أنت سنموت على الأرجح خلال أيام أو ربما أسابيع إن كنا أكثر حظا، إذا تركنا منعزلين في معظم الأنظمة البيئية الموجودة في العالم.
1
والأكثر غرابة من ذلك أن الأفراد الذين ينتمون إلى مجتمعات السكان الأصليين، غالبا ما يواجهون صعوبات في بيئات يعرفونها جيدا، إذا تعرضوا مصادفة للعزلة؛ فضلال الطريق تحت مظلة الغابة قد يكون أقل خطرا نسبيا لسكان الغابات الاستوائية الأصليين على سبيل المثال، غير أنه يمكن أن يظل أمرا قاسيا. لقد سمعت عن بعض أفراد إحدى القبائل التي تعيش في الأمازون، وقد تعرضوا لخطر ضلال طريقهم في مكان غير بعيد عن قريتهم، ولم يتمكنوا من النجاة إلا بصعوبة بالغة، أو في بعض الحالات المؤسفة لاقوا حتفهم. ومثل هذه الحالات تؤكد لنا نقطة مهمة غالبا ما نهملها، وهي أن بقاء البشر على قيد الحياة هو أمر مرهون بالمعرفة المخزونة في مستودع الثقافة، والذي نصل إليه من خلال الوسائل اللغوية. إننا نعتمد في حياتنا اليومية على معارف لا نملكها نحن على وجه التحديد، وإنما يمكن لنا أن نستخلصها بسهولة من عقول الآخرين، وهي لم تتأت لهم إلا بصعوبة كبيرة، أو اكتسبوها مصادفة على مدار آلاف الأعوام في العديد من الحالات. فلتتأمل في بعض الأمثلة من ثقافتك الخاصة؛ إنك لم تضطر إلى اختراع السيارة، أو التدفئة الداخلية بالمنازل، أو الطريقة الأكثر كفاءة لتخلية صدور الدجاج من العظام، بل ورثت هذه التقنيات والسلوكيات؛ فلطالما اقتديت بالآخرين في أفعالك، وتعلمت منهم سلوكياتك، سواء بطريقة رسمية أو بطريقة غير رسمية، عن طريق اللغة. إن مجموع أنشطتنا اليومية، بما فيها تلك الأنشطة المتعلقة بالعمليات الأساسية، مثل تناول الطعام والنوم، تستند كليا إلى أفكار استقيناها من المحيطين بنا، الذين استقوها بدورهم من آخرين. وبالرغم من أن بعض الاحتياجات هي احتياجات حيوية محتومة، فإن ثقافتنا الأصلية هي التي تشكل الأسلوب الذي نتخذه في التعامل مع مثل هذه الاحتياجات. كل الاختراعات المادية والسلوكية التي تسهل حياتك، بداية من فرشاة الأسنان وحتى المصافحة بالأيدي، قد اخترعها إنسان آخر أو مجموعة أخرى من البشر. وأما الأفكار فإننا نرث منها أكثر بكثير مما نبدعه، وينطبق الأمر نفسه على أفراد ثقافات أخرى تختلف تماما عن ثقافتنا؛ فالصيادون في نيو غينيا لا يحتاجون إلى اختراع الأقواس والسهام حين تقتضي الحاجة، بل ورثوا هذه التقنية من خلال التدريس والمحاكاة. إن كل جيل في أي ثقافة يبني على معارف الأجيال السابقة، التي تكون قد اكتسبت في معظم الأحيان عن طريق الاكتشافات العرضية التي ربما قد تبعت أحداثا مؤلمة أو مهلكة؛ فالأقواس والسهام وغيرها من أدوات الصيد على سبيل المثال، لم تخترع في غمضة عين، بل تطورت على مدار القرون فيما راح الصيادون يدركون تدريجيا بعض المزايا التي تنقذ حياتهم، والتي تمتلكها بعض الأقواس والسهام دون غيرها؛ لأسباب معينة.
2
إن الأساليب التي نستخدمها للنجاة والتكيف، والتي تتحسن باستمرار، هي نتيجة «تأثير السقاطة الثقافي». يشير هذا المصطلح، الذي روجه اختصاصي علم النفس ودراسة الرئيسات من جامعة ديوك؛ مايكل توماسلو، إلى حقيقة أن البشر يتعاونون معا في الاحتفاظ بالمعرفة من جيل إلى الجيل التالي، مثل ترس السقاطة الذي يدور في اتجاه واحد ولا يمكن عكس اتجاه دورانه أبدا. وبعبارة أخرى، فإن نجاح نوعنا يعود بدرجة كبيرة إلى قدرة الأفراد على التعلم من السلوكيات النافعة التي توصل إليها أسلافهم أو معاصروهم في المجتمع، ومحاكاتها. إن ما يتميز به البشر، ليس أننا أذكياء فحسب، بل أننا لا نحتاج باستمرار إلى التوصل إلى حلول جديدة للمشكلات القديمة نفسها. إننا نعرف ما كان ناجحا في الماضي، وإن كنا لا نعرف دائما سبب نجاحه في الماضي؛ فكونك قادرا على إعادة تسخين شطيرة من البوريتو لا يعني أنك تعرف أي شيء عن كيفية تصميم جهاز الميكروويف أو الشبكة الكهربائية التي تمكنك من استخدامه.
3
إن أهمية الاكتساب التدريجي للمعرفة المخزونة في المجتمع والمتجسدة فيه ثقافيا، لكنها غير محصورة في عقل فرد واحد بعينه، تتبلور حين نرى حالات لثقافات قد اندثرت بأكملها تقريبا؛ لأن بعضا من معرفتها المخزونة قد تبدد بسبب موت أفراد قد كانوا عقدا أساسية في شبكة المعرفة الخاصة بالمجتمع؛ ففي حالة مجتمع الإسكيمو القطبي في نورث ويست جرينلاند، تضاءل عدد السكان في منتصف القرن التاسع عشر بعد وباء قتل عددا من كبار السن في المجتمع. وقد دفن هؤلاء المسنون ودفنت معهم أدواتهم وأسلحتهم؛ وفقا لتقاليد المجتمع، وتأثرت قدرة الإسكيمو على صنع هذه الأدوات والأسلحة، تأثرا سلبيا كبيرا. وقد أدى ضياع مثل هذه المعرفة وغيرها من المعارف، إلى عرقلة جهودهم في صيد الوعول والفقمات، وكذلك صيد أسماك المياه الباردة. ونتيجة لذلك، فإن عدد السكان لم يبدأ في التزايد إلا بعد قرابة أربعين عاما، وذلك عند تواصلهم مع مجموعة أخرى من الإسكيمو، مما سمح لهم باستعادة قاعدة المعرفة الخاصة بمجتمعهم البدائي. وعلى مدار التاريخ البشري، اندثرت ثقافات بأكملها بسبب عمليات تدهور مماثلة لخبرات أفراد هذه الثقافة المتعلقة بالنجاة، أو بسبب ضياع تقنيات مادية أساسية، لم يكن من الممكن نسخها بسهولة.
4
إن مثل هذه الحالات تنفي بصورة مباشرة ذلك المفهوم الرائج أو الأسطوري مثلما قد يسميه بذلك البعض، والذي يقول بأن البشر متفوقون لأنهم يتمتعون بذكاء فطري أكبر من ذكاء الأنواع الأخرى. والواقع أنها فكرة واهية لا يدعمها قدر كاف من الأدلة؛ فبالرغم من أننا أذكى من الأنواع الأخرى بالتأكيد، ولدينا بالفعل زيادة نسبية في حجم الدماغ (حجم الدماغ كبير مقارنة بحجم الجسم)؛ فقدراتنا الإدراكية الفطرية في بعض الجوانب، ليست متطورة بالقدر الذي كنا نظنه من قبل. إن العديد من سماتنا الفكرية المميزة، ليست متأصلة في جيناتنا، وإنما تعلمناها بطرق عديدة تستند إلى الثقافة. وبالرغم من أن الانتخاب الطبيعي قد أثمر بالتأكيد عن أدمغة بشرية مميزة، فالأمر المثير حقا بشأن نوعنا هو ما تمكنا من تحقيقه بهذه الأدمغة منذ بزوغ الثقافة. في هذا الكتاب، سأنضم إلى الكورال التصعيدي الذي يتكون من العلماء في مجال أصل الإنسان، وعلماء اللغة، وعلماء النفس، وغيرهم من العلماء الذين يؤكدون على هذه النقطة. حيث يؤكد هؤلاء العلماء أن الاختراعات القائمة على الثقافة، مثل اللغة، قد دشنت ثورة إدراكية وسلوكية في نوعنا. وأنا أقترح في هذا الكتاب أن مجموعة من الأدوات المفاهيمية تدعى «الأعداد»، وهي الكلمات وغيرها من الرموز التي تستخدم للإشارة إلى كميات محددة، هي مجموعة بارزة من الاختراعات المستندة إلى اللغة، والتي قد أسهمت في تميز نوعنا بطرق لم تكن تحظى بالتقدير الكافي. وكما سنرى، فالأعداد هي اختراعات بشرية غيرت البيئات التي نحيا فيها ونتطور، مثلها في ذلك مثل الطهي والأدوات الحجرية والعجلة. وبالرغم من أن العلماء في مجال أصل الإنسان وغيره من المجالات، طالما كانوا مولعين بالتركيز على مثل هذه الاختراعات ودورها في تغيير نص قصة البشرية، فإن دور الأعداد لم يحظ بالانتباه الكافي من قبل. والسبب الذي كان يشجع على عدم الاهتمام هو أمر بسيط للغاية: أننا لم نبدأ في إدراك حجم إسهام الأدوات التي تدعى «الأعداد» في إعادة تشكيل الخبرة البشرية، إلا الآن.
الجزء
Shafi da ba'a sani ba