Ƙidaya da Gina Dan Adam
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
Nau'ikan
2-1 .
ولأنه من الواضح أن ليتل سولت سبرينج كانت تستخدم بمثابة موقع صيد في العصر الحجري، فمن المحتمل أن تكون العلامات الموجودة على القرن تمثل الأيام أو الليالي. فأطوار القمر تؤثر في ممارسات الصيد نظرا إلى بعض العوامل مثل تغير سلوك بعض الحيوانات في طور البدر، وتأثير ضوء القمر على حدة رؤية الصيادين؛ ومن ثم فالأرجح أن المصفوفة المنقوشة على القرن، التي تتكون من تسعة وعشرين خطا، تمثل عدد الأيام في الشهر القمري، الذي يمتد على مدار 29 يوما ونصف اليوم في المتوسط. ويدعم هذا التأويل التقويمي دليل موجود على القرن، لكنه أقل وضوحا؛ وهو أنه لا يوجد نقش صغير بجوار أحد السطور الطرفية في سجل العلامات (السطر الطرفي السفلي في الشكل
2-1 ). ويوحي لنا ذلك بأنه لم يكن ثمة حاجة إلى نقش علامة أصغر بجوار العلامة الأكبر، أي إن تسجيل العلامة الأخيرة لم يكن ضروريا على ما يبدو. وذلك هو ما كان سيحدث بالتأكيد إذا كان أحد الصيادين يتابع تقدم دورة القمر؛ فلن يكون هناك حاجة إلى تسجيل حدوث البدر/الهلال، في الليلة الفعلية المعنية، وسيكون الصياد مدركا تماما أن البدر أو الهلال قد حل. وبالنظر إلى هذه العوامل، وكذلك اكتشاف الأداة في موقع مرتبط بالصيد؛ فإن الاستنتاج الأرجح والجدير بالملاحظة بشأن قطعة القرن، هو أن الصيادين كانوا يستخدمونها أداة لعد الأيام/الليالي في الشهر، ثم عدها من جديد. ومعنى هذا أن البشر قبل ما يزيد على 10000 آلاف عام، وفي مكان غير بعيد عن ميامي التي نعرفها في الوقت الحاضر، كانوا يستخدمون العلامات الخطية لمتابعة تقدم الكميات. وقد كانت أرقام ما قبل التاريخ تتمثل في علامات العصي المنقوشة على جزء من قرن غزال قد قطع إلى حجم مناسب حتى يمكن حمله بسهولة في قبضة اليد. لقد كان ذلك بصفة أساسية تقويم الجيب في العصر الحجري، وقد حفظ مصادفة في مياه فقيرة بالأكسجين. (ومن المفترض أن العديد غيره لم يحفظ.)
بالرغم من أن «التقويم» المصنوع من قرن الغزال، والمكتشف في ليتل سولت سبرينج، قد يمثل أحد أوضح الأمثلة على الآلات الحجرية التي استخدمت لمتابعة دورة القمر، فمن المؤكد أن البشر الذين استخدموه لم يكونوا هم البشر الوحيدين في العصر الحجري الذين استخدموا نقش علامات العصي على العظام لمتابعة الكميات؛ ففي كهف جروت دي تاي في جنوب فرنسا على سبيل المثال، اكتشفت لوحة عظمية صغيرة منقوشة، ويعود تاريخها أيضا إلى العصر الحجري الحديث. ويظهر على سطح عظمة الضلع مئات الخطوط المنقوشة، وتوضح بعض التحليلات أن هذه الخطوط كانت تستخدم لأغراض تتعلق بالتقويم. ومن الأدوات الأخرى التي اكتشفت في فرنسا، لوحة أبري بلانشارد، وهي عظمة يعود تاريخها إلى 28 ألف عام، وتظهر عليها نقوش دائرية وبيضاوية تمثل على الأرجح أطوار القمر وحركته. إضافة إلى ذلك، يبدو أن البشر في أوروبا في العصر الحجري الحديث، كانوا يستخدمون نظام عصي أقل تعقيدا، لتمثيل الكميات، وذلك يشبه كثيرا استخدام بشر العصر الحجري العلوي القديم الذين كانوا يعيشون فيما نعرفه اليوم بفلوريدا. ويؤيد هذا الاستنتاج نموذج لنظام عصي بسيط، قد اكتشف أيضا في فرنسا، وهو عظمة أبري سيليه أفيان التي تقترب في العمر من أداة أبري بلانشارد. تحتوي عظمة أبري سيليه على علامات خطية، تفصل بينها مسافة منتظمة بدرجة كبيرة، مثل قرن ليتل سولت سبرينج. ولا يوجد بجوار العلامات نقوش أصغر، كالتي تتضح في قطعة ليتل سولت سبرينج، وهي لا تمثل الكمية 29 أو أي كمية أخرى يمكن فهم أسباب تمثيلها بعلامات العصي. بالرغم من ذلك، فإن أحد التحليلات الحديثة يوضح أن عظمة أبري سيليه، لا تختلف عن أداة جروت دي تاي وأداة أبري بلانشارد؛ فهي تقدم دليلا على أن مخترعها، أو مخترعيها، قد عمدوا إلى تمثيل المفاهيم العددية بطريقة مادية.
3
يبدو لنا إذن أن البشر في أوروبا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، كانوا يمثلون الكميات في بعدين منذ آلاف السنوات. ونحن لا نعلم على وجه اليقين ما إذا كانت أرقام ما قبل التاريخ تستخدم مع مفردات الأعداد أم لا، لكن بالنظر إلى الدور الذي تؤديه مفردات الأعداد في تيسير عملية التفكير الرياضي وتمييز الكميات المتكررة (انظر الفصل الخامس)، فإن هذه الأدوات تدل بالفعل على أن مخترعيها كانوا يستخدمون اللغة العددية. إننا لا نعرف بصورة واضحة طول المدة التي كان البشر يستخدمون فيها أرقام ما قبل التاريخ المنقوشة والمرسومة، لكنهم كانوا يستخدمونها على الأرجح على مدار عشرات الآلاف من الأعوام. في هذا الفصل وفي الفصلين الثالث والرابع، سوف أوضح استنتاجا بسيطا يتضح في البيانات الأثرية العالمية واللغوية كذلك، وهو أن البشر كانوا منشغلين دائما بتمثيل الكميات. إن مصطلحات الكميات تؤدي دورا طاغيا وشاملا تقريبا، في لغات البشر المعاصرة، مما يدل على دورها البارز في تاريخ الكلمة المنطوقة. وبالمثل، فإن تركيز البشر على الأعداد يبرز في السجل الأثري وفي تاريخ أنظمة الكتابة؛ فالأعداد منقوشة بالفعل على سجلنا التاريخي.
مثلما هي الحال في جميع النقاشات عن تطور الأنظمة الرمزية البشرية، فإن تركيزنا يتحول بالضرورة إلى أفريقيا. وبصورة أكثر تحديدا، يسترعي انتباهنا إقليم صغير في الكونغو، وهو الإقليم الذي كان عالم الجيولوجيا البلجيكي، جون دي هينزيلين، قد اكتشف فيه في العام 1960 قصبة ساق أحد حيوانات البابون يبلغ طولها 15 سنتيمترا، ويوجد عليها بعض النقوش. وبعد تأريخ هذه العظمة، التي سميت بعظمة إيشانجو، على اسم المكان الذي اكتشفت فيه في بحيرة إدوارد، اتضح أنها تبلغ من العمر عشرين ألف عام على الأقل. وعلى جوانب العظمة التي يقترب شكلها من الأسطوانة، يوجد ثلاثة أعمدة من الخطوط التي تظهر فيها علامات مجمعة في مجموعات. ومنذ اكتشاف هذه العظمة يدور جدل حاد بشأن دلالة هذه المجموعات؛ فقد اقترح البعض أن المجموعات تشير إلى استخدام النظام العددي الاثني عشري (الأساس 12) أو الوعي بالأعداد الأولية، أو النظام العشري. غزيرة هي الفرضيات؛ لأننا لا نعرف الغرض الذي استخدمت العظمة لأجله بالتحديد، غير أننا نعرف بالتأكيد أن الخطوط التي تمتد على جوانب العظمة، متوازية تقريبا مع مثيلاتها من الخطوط الموجودة في الأعمدة الأخرى. (وتختلف الخطوط في الاتجاه اختلافا طفيفا، وهي تختلف أيضا بعض الشيء في الطول.) والأهم من ذلك أن الكميات التي تظهر في مجموعات العلامات ليست عشوائية؛ فالعمود الأول يتضمن العدد التالي من الخطوط، بالترتيب من الأعلى إلى الأسفل: 3، 6، 4، 8، 10، 5، 5، 7 (المجموع = 48). ويتضمن العمود الثاني مجموعات تتكون بالترتيب من 11 و21 و19 و9 (المجموع = 60). وكالعمود الثاني، يتضمن العمود الثالث أيضا 60 خطا، لكنها ترد في مجموعات تتكون من 11 و13 و17 و19. وجميع الأعداد في هذا العمود الأخير هي أعداد أولية، وتلك مصادفة على الأرجح، لكن ما يبدو مصادفة أقل هو تساوي المجموع الكلي للعلامات في العمودين؛ فهو يبلغ ستين في كلا العمودين. إضافة إلى ذلك، لدينا احتمال واضح بأن العمود الأول يشير إلى نمط من أنماط المضاعفة، نظرا إلى وجود مجموعات متجاورة هي عبارة عن 3 / 6، و4 / 8، و5 / 10 على التوالي.
4
ربما تكون الفرضيات المتنوعة الجذابة بشأن العلامات الموجودة على الجوانب، هي السبب في أننا عادة ما نغفل بشأن عظمة إيشانجو حقيقة بسيطة لكنها هامة، وهي أن أحد طرفي العظمة تبرز منه قطعة حادة من معدن المرو، وهي سن مدببة ملحقة بها، من الواضح أنها كانت تستخدم في النقش. يبدو أن عظمة إيشانجو كانت تستخدم بمثابة قلم رصاص في العصر الحجري؛ لقد أمسك شخص ما بهذه العظمة بين أصابعه ذات مرة، واستخدمها للنقش على أشياء أخرى؛ عظام على الأرجح. والاستنتاج البارز هنا هو أن جوانب العظمة ربما كانت تستخدم بمثابة جدول مرجعي عددي للشخص الذي يحملها، بينما يقوم هو بدوره بتسجيل كمية من العناصر أو الأحداث، بشكل تفصيلي، على جانب عظمة أخرى أو قطعة خشب، أي إن هذه العظمة كانت تستخدم لهدف فعلي ونظري في الوقت ذاته. إنها تبدو كمسطرة للعصر الحجري؛ فالكميات ممثلة على جوانبها لتيسير عملية مضاعفة هذه الكميات وغيرها بدقة. إن هذه العظمة تشير إلى أن بعض سكان أفريقيا كانوا يجرون عمليات المضاعفة على أرقام ما قبل التاريخ، منذ عشرين ألف عام على الأقل.
وبعض العظام الأفريقية الأخرى التي تظهر على جوانبها خطوط منقوشة، يعود تاريخها إلى أبعد من ذلك، وينطبق الأمر نفسه على بعض العظام المكتشفة في أوروبا، مثل عظمة الذئب التي يبلغ عمرها 33 ألف عام، والتي تحتوي على خمس وخمسين علامة على أحد جوانبها، وقد اكتشفت في جمهورية التشيك، غير أن وظائف معظم هذه المنقوشات القديمة للغاية قد ضاعت للأبد على الأرجح. بالرغم من ذلك، يبدو لنا أن إحدى العظام الأفريقية، وهي أقدم كثيرا من عظمة إيشانجو؛ إذ يقدر عمرها باستخدام وسائل التأريخ بالكربون المشع بحوالي 43000 عام أو 44000، كانت تستخدم لأهداف تتعلق بالرياضيات، اكتشفت هذه العظمة في سلسلة جبال ليبومبو التي تمتد على الحدود بين جنوب أفريقيا وسوازيلاند، وتوجد أيضا على جوانبها خطوط منقوشة. عظمة ليبومبو هي قصبة ساق إحدى حيوانات البابون، وهي شبيهة في الحجم بعظمة إيشانجو، لكنها كانت تستخدم لوظيفة أقل تعقيدا، أو أوضح على الأقل؛ فهي تحتوي على تسعة وعشرين خطا منقوشا على أحد جوانبها، ومن ثم فقد كانت تستخدم على الأرجح لتتبع دورة القمر، مثل قرن الغزال المكتشف في ليتل سولت سبرينج. وبالرغم من أن هذا التفسير ليس مؤكدا؛ إذ إن العظمة مكسورة من كلا الطرفين، وهي ليست مقطوعة بانتظام كقرن ليتل سولت سبرينج، فهو تفسير منطقي في ضوء ما سبق ذكره من أهمية دورة القمر بالنسبة إلى الجماعات البشرية، وكذلك في ضوء حقيقة أن بعض الشعوب الأفريقية المعاصرة تستخدم تقويمات العصي المشابهة لها.
Shafi da ba'a sani ba