وقد أشار علي صاحبنا هاردي، فأحسن المشورة فيما اخترت لتسمية هذا الديوان، فقد نظمته بين ثوائر الأفكار، وثوائر الحروب وثوائر الصدور، فلو بحثت له عن عنوان أدل على ما فيه لانقطع عنان الاختيار دون المراد. •••
سألني صديق يرى أنني تشاءمت من حيث يتفاءل فقال: ولم استعجلت المغرب، وقد أجله صاحبك هاردي إلى ما بعد السبعين بل الثمانين؟
قلت: يا صديقي اقرأ أبيات بيرون إن شئت ولا تقرأ أبيات هاردي إن لم تشأ، فإنما هي حالة تلم بالرجل فيما قبل الأربعين، كما تلم فيما وراء السبعين.
وبيرون ماذا قال في السادسة والثلاثين؟ ماذا قال وهو في يقظة الحياة ومعترك النضال؟
نظم تلك الأبيات التي سماها بعضهم «عيد ميلاد أخير»، فقال:
آن لهذا القلب أن يسكن، مذ عز عليه أن يحرك سواه، ولكني وقد حرمت من يهوى إلي، حسبي نصيبا من الحب أن أهوى.
إن أيامي لمكتوبة على الورقة الذاوية، إن زهرات الحب وثماره ذهبت إلى غير رجعى، إنما السوس والديدان وحسرة الأسى، هي لي ... لي وحدها تحيا.
وهذه النار التي تأكل الحنايا، كأنها جزيرة بركان في عزلة قاصية، حممها لا توقد جذوة أخرى، وإنما هي نار تبيت على سرير الردى.
وتلك الأشواق والأوجال والهموم الغيرى، ذلك الحظ المقسوم من اللوعة العليا، تلك القدرة على الهيام والهوى، ليس لي منها حصة تبقى، فما لأغلالها في عنقي لا تنزع ولا تبلى؟ •••
نظم بيرون هذه القصيدة في عيد ميلاده السادس والثلاثين، ولم يكن يعلم أنه عيد ميلاده الأخير الذي لا حب بعده ولا حياة، ولكن هكذا كان على ما أراد أو على غير ما أراد. فماذا تغني السنون القصار أو السنون الطوال؟ إنما هي حالات تلم بالنفوس في كل حين، وإنما التفاؤل والتشاؤم لسانان يقولان، وللزمن وحده أن يصدقهما أو يكذبهما فيما يقولان.
Shafi da ba'a sani ba