قال: أذكر أني أعرف صوتك ... ولكن ... - ولكن ماذا؟ ألا تعرف صديقك بول سالبري؟
فقطب البارون جبينه وقال: أأنت هو؟ ثم أخذ بيده، ودخل به الغرفة التي خرج منها وقال له بجفاء : ما جاء بك إلي؟
قال: إنك ترى من ملابسي أنني لست من السعداء. - ذلك لما فطرت عليه من الكسل، ومما تعودته من السكر. - كلا، بل لأني من أهل الطالع المنكود، فقد غرقت السفينة التي عدت بها وغرقت فيها أموالي، ولولا ذلك لما لجأت إليك.
فأخرج البارون من جيبه دينارين وقال: خذ! فهذا كل ما أستطيع أن أعطيك إياه. فتراجع بول وقال له: لعلك تمزح؟
قال: إني لا أمزح على الإطلاق. - أأعود من أمريكا بعد أن فقدت أموالي، وآتي إليك ملتجئا، فتتصدق علي بدينارين كأني من المتسولين؟
قال: إنك اقترضت مني أموالا كثيرة لم تردها، وكنت يومئذ في عهد الشباب، لا أحسب للمال حسابا، أما الآن فما لك عندي غير هذين الدينارين، فخذهما وانصرف.
قال: ولكني في حاجة إلى بضعة آلاف. - ماذا تقول؟ - أقول إنك تعلم ما بيننا. - ما عسى أن يكون بيننا أيها الرجل؟ - أنسيت؟ - ماذا؟ - الغلام الممثل البهلوان الذي شحنته في صندوقي! - ما هذه الخزعبلات، فإني لا أفهم شيئا منها؟ - أتجسر أيضا على الإنكار أيها الشقي؟ - اعلم يا بول أن المرء يستطيع إنكار كل ما يتعذر إثباته بالبراهين، ثم أخرج من جيبه قبضة من الذهب وقال له: خذ أيضا هذه الدنانير، واذهب في الحال، فإن خدمي سيعجبون - دون شك - لاختلائي بمثلك، ولا تزد كلمة فإني لا أزيد دينارا. - لقد كنت أحسبك ممن لا ينكرون الجميل.
فهز البارون كتفيه، وأدار له ظهره دون أن يجيبه، فخرج بول وهو يحرق الأرم من الغيظ؛ إذ لم يكن يخطر في باله أن يقابله شريكه في الجريمة بهذه المقابلة المنكرة.
وقد خرج من القصر يتميز غيظا، واستهدى إلى طريق قرية سانت مرتين، فسار إليها وهو يناجي البارون ويقول: لقد أخطأت أيها البارون بإساءتك إلي، فإن بيننا سرا هائلا سيكون آلة انتقامي منك إن شاء الله.
وكان التعب قد نهكه، ومع ذلك فإن الحقد كان يثير همته، فيسير وهو يتوعد البارون بقبضتيه من حين إلى حين، ويقول: ويح لك أيها الشقي! إنك قد كتبت الحكم على نفسك بالشقاء بما فعلت الآن، فقد عاملتني معاملة المتسولين، فتصدقت علي بعشرين دينارا، ولو أنك أعطيتني نصف ثروتك لما رضيت عنك. الويل لك مني! وسوف ترى ما يكون من انتقامي!
Shafi da ba'a sani ba