وكان بين الحضور رجل من الصحافيين فقال لها: لقد أصبح الناس عندنا يترنمون باسمك يا «باكيتا المقدسة»، ولو عملت برأيي، ونشرت مذكراتك تباعا في جريدتي ...
فقاطعته الفتاة بابتسامة تشف عن السويداء وقالت: أية فائدة من نشر مذكراتي، وحوادثي لا تختلف كثيرا عن حوادث سواد الناس المألوفة؟! فقد شقيت، وأحببت، وجعت وبردت، ورجوت ويئست، وفرحت وحزنت، وليس في كل ذلك ما يثير لجدته، ولكن إذا شئتم ذكرت لكم مقدمة عن أيام حداثتي ... فهتف الصحافي لها، وأخرج من جيبه دفتر مذكراته؛ كي يكتب ما يروقه من حوادثها.
وقد التف الناس حولها شبه دائرة، ولم يخرج عن هذه الدائرة غير فتى في مقتبل الشباب يدعى چوفر، كان منزويا في القاعة يسمع الحديث ولا يشترك مع المتحدثين.
أما باكيتا فإنها قالت لهم: إني سأبدأ حديثي، فأروي لكم حكاية فتى يلقب بالسيئ البخت. فقال الصحافي: من هو هذا الفتى يا سيدتي؟ قالت: سوف تعلم، فاسمع!
لقد تقدم لي القول أني كنت أشتغل بهلوانة في أحد الأجواق المتنقلة، وقد سافرت مرة مع هذا الجوق إلى الرين، ولم يكن لي من العمر غير اثنتي عشرة سنة، فكنا إذا أعيانا التعب جلسنا للاستراحة في الحقول التي كنا نمر بها، فتشتغل امرأة صاحب الجوق بإعداد الطعام، ويربط زوجها حبلا بين شجرتين ، فيمرنني على الرقص عليه، وكان هذا الرجل كريم الأخلاق، وجدني طفلة فرباني، وعلمني صناعته حتى أصبحت عماد جوقه، وكان يدعى كوكليش، فكان يدعوني ابنته وأنا أدعوه أبي، وكذلك امرأته؛ فقد كانت تحسن إلي كثيرا.
وقد غابت الشمس يوما ونحن في الطريق، فلقينا غلاما صغيرا عائدا إلى القرية من الحقول فاستوقفناه، وسألناه إذا كانت القرية لا تزال بعيدة، فقال: إنها تبعد مرحلة أيضا - فركة كعب - وذلك يعني عشر مراحل في اصطلاح القرويين. قلنا: ألا يوجد منزل قريب أو مزرعة قبل القرية؟ قال: نعم، فإن منزل أبي يبعد ربع ساعة، وهو وراء هذه القمة.
فابتسمت له وسألته قائلة: هل لك أن تذهب بنا إلى منزل أبيك؟ فظهرت عليه علائم الخوف الشديد وقال: كلا!
فوضعت يدي على رأسه وعبثت بشعره وقلت: لماذا؟
قال: لأنه يضربك إذا ذهبت إليه، كما يضربني لأني أخذتك إلى منزله.
فأشفقت عليه، وجعلت أتمعن في وجهه الجميل، فرأيت في جبينه أثر جرح، فقلت له: من أين هذا الجرح؟ أجاب: لقد سقطت من فوق شجرة عالية أمس.
Shafi da ba'a sani ba