Abu Shuhada Husayn Ibn Ali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Nau'ikan
خسة ووحشية
وكان حقا لا مجازا ما توخيناه حين قلنا إنهما طرفان متناقضان، وإنها حرب بين أشرف ما في الإنسان وأوضع ما في الإنسان.
فبينما كان الرجل في عسكر الحسين ينهض من بين الموتى ولا يضن بالرمق الأخير في سبيل إيمانه، إذا بالآخرين يقترفون أسوأ المآثم في رأيهم - قبل رأي غيرهم - من أجل غنيمة هينة لا تسمن ولا تغني من جوع. فلو كان كل ما في عسكر الحسين ذهبا ودرا لما أغنى عنهم شيئا وهم قرابة أربعة آلاف، ولكنهم ما استيقنوا بالعاقبة - قبل أن يسلم الحسين نفسه الأخير - حتى كان همهم إلى الأسلاب يطلبونها حيث وجدوها، فأهرعوا إلى النساء من بيت رسول الله ينازعونهن الحلي والثياب التي على أجسادهن، لا يزعهم عن حرمات رسول الله وازع من دين أو مروءة، وانقلبوا إلى جثة الحسين يتخطفون ما عليها من كساء تخللته الطعون حتى أوشكوا أن يتركوها على الأرض عارية، لولا سراويل لبسها - رحمه الله - ممزقة، وتعمد تمزيقها ليتركوها على جسده ولا يسلبوها. ثم ندبوا عشرة من الفرسان يوطئون جثته الخيل كما أمرهم ابن زياد، فوطئوها مقبلين ومدبرين حتى رضوا صدره وظهره.
وقد يساق الغنم هنا معذرة للإثم بالغا ما بلغ هذا من العظم، وبالغا ما بلغ ذاك من التفاهة. لكنهم في الحقيقة قد ولعوا بالشر للشر من غير ما طمع في مغنم كبير أو صغير. فحرموا الري على الطفل الظامئ العليل، وأرسلوا إلى أحشائه السهام بديلا من الماء، وقتلوا من لا غرض في قتله، وروعوا من لا مكرمة في ترويعه، فربما خرج الطفل من الأخبية ناظرا وجلا لا يفقه ما يجري حوله، فينقض عليه الفارس الرامح فوق فرسه، ويطعنه الطعنة القاضية بمرأى من الأم والأخت والعمة والقريبة، ولم تكن في الذي حدث من هذا القبيل مبالغة يزعمونها كما زعم أجراء الذمم بعد ذلك عن حوادث كربلاء وجرائر كربلاء. فقد قتل فعلا في كربلاء كل كبير وصغير من سلالة علي رضي الله عنه، ولم ينج من ذكورهم غير الصبي علي زين العابدين، وفي ذلك يقول سراقة الباهلي:
عين جودى بعبرة وعويل
واندبي ما ندبت آل الرسول
سبعة منهم لصلب علي
قد أبيدوا وسبعة لعقيل
وما نجا علي زين العابدين إلا بأعجوبة من أعاجيب المقادير؛ لأنه كان مريضا على حجور النساء يتوقعون له الموت هامة اليوم أو غد، فلما هم شمر بن ذي الجوشن بقتله، نهاه عمر بن سعد عنه إما حياء من قرابة الرحم أمام النساء - وقد كان له نسب يجتمع به في عبد مناف - وإما توقعا لموته من السقم المضني الذي كان يعانيه؛ فنجا بهذه الأعجوبة في لحظة عابرة، وحفظ به نسل الحسين من بعده، ولولا ذلك لباد.
ثم قطعوا الرءوس ورفعوها أمامهم على الحراب، وتركوا الجثث ملقاة على الأرض لا يدفنونها ولا يصلون عليها كما صلوا على جثث قتلاهم، ومروا بالنساء حواسر من طريقها فولولن باكيات، وصاحت زينب رضي الله عنها: يا محمداه! هذا الحسين بالعراء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا.
Shafi da ba'a sani ba