Abu Shuhada Husayn Ibn Ali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Nau'ikan
لقد كان أبوه معاوية على كفاءة ووقار وحنكة ودراية بشئون الملك والرئاسة، وكان له مع هذا نصحاء ومشيرون أولو براعة وأحلام تكبح من السلطان ما جمح وتقيم ما انحرف وتملي له فيما عجز عنه، وهذا ابنه القائم في مقامه لا كفاءة ولا وقار ولا نصحاء ولا مشيرون، إلا من كان عونا على شر أو موافقا على ضلالة. فما عسى أن تكون الشهادة له بالصلاح للإمامة إلا تغريرا بالناس وقناعة بالسلامة أو الأجر المبذول على هذا التغرير؟
ثم هي خطوة لا رجعة بعدها إذا أقدم عليها الحسين بما أثر عنه من الوفاء وصدق السريرة. فإذا بايع يزيد فقد وفى له بقية حياته كما وفى لمعاوية بما عاهده عليه، ولا سيما حين يبايع يزيد على علم بكل نقيصة فيه قد يتعلل بها المتعلل لنقض البيعة وانتحال أسباب الخروج.
فملك يزيد لم يقم على شيء واحد يرضاه الحسين لدينه أو لشرفه أو للأمة الإسلامية، ومن طلب منه أن ينصر هذا الملك فإنما يطلب منه أن ينصر ملكا ينكر كل دعواه، ولا يحمد له حالة من الأحوال، ولا تنس بعد هذا كله أن هذا الملك كان يقرر دعائمه في أذهان الناس بالغض من الحسين في سمعة أبيه وكرامة شيعته ومريديه. فكانوا يسبون عليا على المنابر وينعتونه بالكذب والمروق والعصيان، وكانوا يتحرون أنصاره حيث كانوا فيقهرونهم على سبه والنيل منه بمشهد من الناس، وإلا أصابهم العنت والعذاب، وشهروا في الأسواق بالصلب والهوان. فمجاراة هذه الأمور كلها في مفتتح ملك جديد معناه أنها سنة قد وجبت واستقرت الجيل بعد الجيل بغير أمل في التغيير والتبديل. فمن أقر هذه السنة في مفتتح هذا الملك الجديد فقد ضعف أمله، وضعف أمل أنصاره فيه يوما بعد يوم، وازداد مع الزمن ضعفا كما ازدادت حجة خصومه قوة عليه.
هذه هي البواعث النفسية التي كانت تجيش في صدر الحسين يوم دعاه أولياء بن أمية إلى مبايعة يزيد والنزول عن كل حق له ولأبنائه ولأسرته في إمامة المسلمين، كائنا من كان القائم بالأمر وبالغا ما بلغ من قلة الصلاح وبطلان الحجة. وهي بواعث لا تثنيه عن الخروج، ولا تزال تلح عليه في اتخاذ طريق واحد من طريقين لا معدل عنهما، وهما الخروج إن كان لابد خارجا في وقت من الأوقات، أو التسليم بما ليست ترضاه له مروءة ولا يرضاه له إيمان.
مصرع وانتصار
أما نتائج الحركة كلها - إذا نظرنا إليها نظرة واسعة - فهي أنجح للقضية التي كان ينصرها من مبايعة يزيد.
فقد صرع الحسين عام خروجه، ولحق به يزيد بعد ذلك بأقل من أربع سنوات.
ولم تنقض ست سنوات على مصرع الحسين حتى حاق الجزاء بكل رجل أصابه في كربلاء، فلم يكد يسلم منهم أحد من القتل والتنكيل مع سوء السمعة ووسواس الضمير.
ولم تعمر دولة بني أمية بعدها عمر رجل واحد مديد الأجل، فلم يتم لها بعد مصرع الحسين نيف وستون سنة! وكان مصرع الحسين هو الداء القاتل الذي سكن في جثمانها حتى قضى عليها، وأصبحت ثارات الحسين نداء كل دولة تفتح لها طريقا إلى الأسماع والقلوب.
ولإصابة هذه الحركة في نتائجها الواسعة دخل في روع بعض المؤرخين أنها تدبير من الحسين رضي الله عنه ، توخاه منذ اللحظة الأولى وعلم موعد النصر فيه؛ فلم يخامره الشك في مقتله ذلك العام، ولا في عاقبة هذه الفعلة التي ستحيق لا محالة بقاتليه بعد أعوام.
Shafi da ba'a sani ba