فقالت ريحانة: «خففي عنك يا مولاتي. إنه لا يلبث أن يأتي؛ فقد اتفق وصولنا ساعة خروج الأمير الكرماني لملاقاة جند مرو في حرب. ولا شك أن عليا ابنه معه، وسترينه عائدا وقد تلطخ صدر جواده بدم الأعداء، وفي وجهه عز النصر. وهو عز لك. إن في ذلك لذة لم تتعوديها، فإذا ذقتها مرة فإنك لن تنسي لذتها. إن لذة النصر عظيمة يا مولاتي.»
فذعرت جلنار عند سماعها كلمة الحرب وقالت بالفارسية أيضا: «هو في حرب؟ ألم تقولوا لي إنه صاحب مرو، وله الأمر والنهي، وبيده الحل والعقد.»
قالت: «قد كان كذلك على ما علمنا. فالظاهر أنه خرج منها، ولكنه لا يلبث أن يفتحها كما فتحها قبلا.»
فصاحت وقد نسيت موقفها: «لا يهمني فتحها أم لم يفتحها. إني لا أريده. أخرجوني من هذا المكان. يا ريحانة، أخرجيني إلى حيث شئت.»
فضحكت ريحانة في وجهها تخفيفا لغيظها، وأظهرت الاستخفاف بخوفها. وكانت قد فرغت من تمشيطها وتبديل ثيابها، وألبستها في ذلك اليوم ثوبا عنابي اللون، وتمنطقت عليه بمنطقة مرصعة، ولفت كتفيها بمطرف من الخز الموشى مبطن بالفرو الثمين، وقد احمر وجهها من أثر السفر، وتوردت وجنتاها، وتكسرت عيناها من البكاء، وغشيهما ذبول القلق، وتجلى في جبينها وبين عينيها هيبة الانقباض، وأحدق بفمها معنى يعبر عنه بالخوف أو الحذر، واسترسل شعرها ضفيرة واحدة على ظهرها وقد تلألأ القرطان في أذنيها، وكل منهما جوهرة واحدة تضيء في الظلام، فضلا عما في عنقها من العقود الثمينة، وما يحيط بمعصميها من الدمالج والأساور، فأصبحت ملاكا في صورة إنسان. وكانت ريحانة لا ترتوي من النظر إليها، فلما فرغت من إلباسها دعتها إلى الجلوس، فجلست وهي تقول: «وأين الضحاك يا ترى؟»
قالت: «لا يلبث أن يأتينا؛ فقد تركته يهتم بالأحمال ونحوها.» وصفقت فدخل خادم كان في جملة الخدم خارجا، فقالت له: «أين الضحاك؟»
قال: «كان حول الخباء ثم ذهب. لا أدري إلى أين.»
فأجفلت جلنار من قوله ونظرت إلى ريحانة كأنها تستطلع رأيها في أمره، فقالت ريحانة: «هلم بنا نطل من باب الخباء لنرى منظر هذا المعسكر؛ لعلنا نرى الضحاك.»
فنهضت ومشت على أثر ريحانة حتى أطلتا من باب الخباء، وإذا بسهم سقط بين يديهما عند الباب، فذعرت جلنار وتراجعت، ولم تذعر ريحانة؛ لأنها كثيرا ما شهدت مثل هذه المعارك، فضلا عن اضطرارها للتظاهر بالجلد تشجيعا لمولاتها، فقالت وهي تضحك: «ما الذي أجفلك يا مولاتي؟»
قالت وهي ترتعد خوفا: «يظهر أنهم يحاربون على مقربة منا. بالله ما هذا؟ ما الذي جاء بي إلى هذا المكان؟ كيف رضيت بالمجيء؟ آه يا أبا مسلم.» وكأنها نطقت باسمه سهوا، فخجلت وتشاغلت بمسح دموعها بمنديل كان في منطقتها.
Shafi da ba'a sani ba