فلما سمعت جلنار ذلك المديح تحركت فيها عوامل الحب، فهان عليها كل عسير في سبيله، ولكنها ظلت ساكتة، وفهم الضحاك أن الغرض من ذلك الاعتراض ألا يذكر أصل أبي مسلم في حضرتها، فقال: «لا أنكر منزلة هذا البطل الشاب، وإنما أردت بالتنازل ذهاب مولاتي الدهقانة إليه وهي فتاة، إلا إذا كانت تحب (وبلع ريقه) فتلك مسألة أخرى هي أعلم بها .» قال ذلك وضحك وهو مطرق برأسه وعيناه شاخصتان نحوها.
أما جلنار فإن الاهتمام ظهر في عينيها وسكتت، وتشاغلت بإرسال ضفائر من شعرها إلى ظهرها كانت قد استرسلت إلى الأمام عند انحنائها، ثم أصلحت القرط في أذنها وهي مطرقة. وأدركت ريحانة ولحظ الضحاك أنها تتردد في أمر ذلك الاجتماع، وظلوا صامتين هنيهة كأنهم يصغون لاستماع قصف الرعد وسقوط المطر، ولو أصاخوا بسمعهم لسمعوا صوت الجمال عن بعد، ولكن تساقط المطر وهبوب الرياح أضاعا صوتها.
وأخيرا استأنفت ريحانة الحديث قائلة: «تبصري يا مولاتي في الأمر على مهل؛ فإن القوم باقون هنا بضعة أيام بسبب الأمطار.»
فظلت جلنار صامتة مطرقة، فأدرك الضحاك أنها لا تزال تتهيب أمر لقائها أبا مسلم، فقال لها: «إذا أذنت مولاتي لمملوكها أن يصرح بما في ضميره فعل.»
قالت جلنار: «قل.»
قال: «يظهر لي أنك تتهيبين أمر ذلك الاجتماع، ولا لوم عليك، ونحن نعلم أنفتك وعزة نفسك، وعندي رأي. هل أعرضه عليك؟»
فأشارت برأسها أن قل.
قال: «إن أبا مسلم - كما لا يخفى عليك - قد حصر قواه وعواطفه في أمر الدعوة التي يقوم بها، وما من سبيل يوصلنا إلى قلبه غير هذه الدعوة؛ فالذي أراه أن مولاتي إذا شق عليها لقاؤه وجها لوجه أن تبدأ الصلة بينها وبينه بشيء يدل على اشتراكها معه في هذا الأمر، ويكون ذلك فاتحة العلاقات، ثم نرى ماذا يكون.»
فانبسط وجه جلنار. وكان انبساطه جوابا كافيا للضحاك. فتناولت ريحانة طرف الحديث عنها وقالت: «لقد رأيت صوابا يا ضحاك، بورك فيك، فأفصح عن رأيك مفصلا.»
قال: «هذا رأيي واضح لا يحتمل شرحا كثيرا؛ فالمراد أن تبعث مولاتي إلى أبي مسلم بما يدل على تأييدها لدعوته، ورغبتها في رضاه، واشتراكها في أمره، ونرى ما يكون منه.»
Shafi da ba'a sani ba