Abu Muslim Khurasani

Jurji Zaydan d. 1331 AH
196

Abu Muslim Khurasani

أبو مسلم الخراساني

Nau'ikan

فلما فرغ خالد من كلامه كان صالح لا يزال قابضا على يده، فأطرق كأنه يفكر في أمر هام، ثم رفع رأسه وقال: «مسكينة جلنار! كم أحبت هذا الخراساني وخدمته! وكم أساء إليها وعذبها! فما الذي غير شعوره نحوها؟»

فدهش خالد لذكره اسم الفتاة وملخص حديثها، واقشعر بدنه وقال: «إن الذي غير شعوره هو أنا؛ لأني كنت على علم بحبها له، وتفانيها في خدمته حتى قتلت زوجها لأجله، ثم اتهم أبو مسلم والدها بالخيانة وقتله، فجاءت لتعاتبه على انفراد - ولم أكن حاضرا - وفي صباح اليوم التالي أخبرني بما كان من غضبه عليها وسجنها، ورأيت في كلامه ضعفا، وتوسمت فيه ندما على ما فرط منه على غير عادته، فأخذت في تأنيبه، وحببت إليه تقريبها والزواج بها، فرضي وبعث يستقدمها من السجن، فقيل له إنها ليست هناك، فبحث عنها في دار الإمارة، وبث الناس في أطراف المدينة فلم يقفوا لها على خبر، فتحققنا أنها هربت إلى مكان بعيد.

وكنت شديد الرغبة في معرفة أخبارها؛ لاعتقادي أنها مظلومة، وأحببت أن تنصف، فحرضت أبا مسلم على البحث عنها في الأطراف البعيدة، فكلف رجلا يهوديا عنده أن يفتش عنها، ووعده إذا جاء بها أن يعطيه مالا كثيرا، فتنكر اليهودي وأخذ في البحث حتى عثر عليها في الكوفة بمنزل أبي سلمة، وأوشك أن يظفر بها، ولكنها غيرت مكانها وكأنها طارت بين السماء والأرض، فعاد إلينا بهذا الخبر، فغضب أبو مسلم عليه وأرجعه للتفتيش عنها ثانية. وقد جاءني منذ بضعة أيام وأخبرني أنه لم يعثر عليها، فهل هي على قيد الحياة؟ وهل تعرف مكانها؟»

وكان خالد يتكلم وصالح يتابعه في الحديث كأنه مطلع على القصة، فإذا توقف خالد أعانه بكلمة مما يعلمه ، وخالد لا يستغرب ذلك لما سبق إلى ذهنه من الاعتقاد في كرامته.

فعلم صالح من سياق الحديث أنهم لم يكونوا يعلمون ببقائه حيا، ولا أخبرهم إبراهيم بذلك؛ خوفا من ضياع فضله في قتله، مع أنه ينبغي أن يكون قد علم هو ببقائه حيا في اليوم الثاني لمقتل ابن الكرماني؛ إذ لم يجدوا جثته هناك، وعلم أيضا أن إبراهيم قريب من ذلك البلد، أو ربما كان في بلاط الخليفة، فأحب أن يتحقق من ذلك فقال: «إنها على قيد الحياة، ولا يصعب علي معرفة مكانها. إنما يحتاج ذلك إلى مهلة قليلة، ويلوح لي أنها ليست في مكان بعيد من هنا. ألم تسأل العرافين عن ذلك؟»

فقال خالد: «سألت غير واحد، فاختلفوا وتناقضت أقوالهم، وليس فيهم من يعتمد عليه برغم رغبة أمير المؤمنين في الاستكثار منهم للاستعانة بهم، ولم أجد بينهم أحدا مثلك.»

فقال صالح: «إن أكثر عرافي هذا الزمان ينتحلون الصناعة لابتزاز الأموال، ويخبطون في أقوالهم خبط عشواء، وإنما هي موهبة يختص الله بها أناسا، وقلما يستطيعها أحد بالاجتهاد، على أن بعضهم يتخذها وسيلة لغرض خاص، كما يفعل العراف حاييم.»

فضحك خالد لمعرفة صالح ذلك الاسم الجديد وقال: «مسكين حاييم. أين هو من التنجيم؟ ومع ذلك فهو منخرط في جملة عرافي المنصور يقبض مرتبا مثل مرتباتهم.»

فعلم صالح أن صاحبه في بلاط الخليفة من جملة العرافين، فسكت وتزحزح من مكانه، فأدرك خالد أنه قد حان انصرافه، فنهض وودعه وأوصاه أن يكتم ما دار بينهما، فوعده بذلك، وأنه سيخبره عن مكان جلنار بعد بضعة أيام، فخرج خالد وقد تولته الدهشة؛ إذ لم يكن يظن أن مثل هذا الرجل يوجد فى الأرض، فذهب توا إلى داره وبعث إلى إبراهيم اليهودي، فلما جاء سأله: «هل وجدت الفتاة؟» فأجاب: «كلا.»

فقال خالد: «قد وجدت عرافا يستطيع الوقوف على مكانها.»

Shafi da ba'a sani ba