وآن وقت الغداء فتناولتاه وهما تتوقعان أن يبعث علي إليهما بالانتقال إلى قصر الإمارة، وإذا هما تسمعان دبدبة وصهيلا وضوضاء، ثم علمتا أن جند الكرماني رجع عن مرو بعد فتحها، وظلت لأبي مسلم وحده، ولم تفهما السر في ذلك، فمكثنا تنتظران ما يكون وجلنار خائفة من ذلك الفتح، ثم نهضتا معا، وجلنار لم تعد تصبر عن ريحانة لاستئناسها بها في تلك الشدة، حتى جلستا في غرفة الرقاد وجلنار تشكو وتتخوف. فلما رأت ريحانة قلقها قالت: «لا أدري لماذا تكرهين ابن الكرماني وهو يستهلك في هواك ، ويجل مقامك ويحترمك، وخصوصا بعد الذي أوتيه من النصر بفتح هذه المدينة، وقد انتقم لأبيه؟!»
فأسرعت جلنار ووضعت يدها على فم ريحانة كأنها تمنعها من الكلام اشمئزازا من الحديث، واكتفت بذلك جوابا، فأدركت ريحانة أنها لا تود الخوض في هذا الموضوع، فسكتت وقد أخذتها الحيرة لا تدري كيف تنقذ سيدتها من ذلك المشكل، فتركتها في الغرفة وخرجت لتستطلع حال المعسكر بعد فتح مرو، فوجدت الخيام لا تزال في أماكنها، وقد أعيدت الخيول إلى مرابطها، وغرست الأعلام في مغارسها، وتطلعت إلى فسطاط الأمير علي فإذا هو لا يزال كما كان، والراية منصوبة ببابه وقد تزاحم وفود المهنئين والمنشدين، وسرها عود ابن الكرماني؛ لأنها كانت تظنه يبقى مع أبي مسلم في قصر الإمارة، فاطمأن بالها من هذا القبيل. وكانت الشمس قد مالت نحو المغيب فالتفتت نحو مرو، فرأت جماعات من الباعة خرجوا منها، وفيهم من يحمل فاكهة أو طعاما أو ألعابا ليتكسبوا ببيعها في ذلك المعسكر، بعد أن زال الحصار عن المدينة وكفت الحرب، وشاهدت في جملة الخارجين رجلا طويلا قادما نحو الخباء، فما لبثت أن عرفت أنه الضحاك، فاستبشرت بقدومه وأرادت أن تسرع إلى سيدتها، فأشار إليها أن تقف فوقفت، حتى إذا دنا منها أومأ إليها فدخلت معه الخباء بحيث لا يراهما أحد، فقالت: «ما وراءك؟»
قال: «هل من حيلة لنا في النجاة من ابن الكرماني غير قتله وقد فتح مرو وحق له الزواج؟ إلا إذا كانت مولاتنا تفضل الاقتران به. وهذا يرجع إلى خاطرها.»
قالت: «قد عرفت في هذه الساعة أنها لا تستطيع ذكر الاقتران به.»
قال: «فإذن؟»
قالت: «ولا تتصور الإقدام على قتله.»
قال: «وأنت أيضا جبانة مثلها؟»
قالت: «أتريد أن أقدم أنا على قتله؟ وكيف أقتله؟»
فضحك وتماجن وقال: «وهل القتل صياغة أو تطريز؟ ليس أهون منه على الإنسان، ولا يخيل لك أن المراد قتله بالمبارزة أو المطاعنة، وإنما هي حسوة أو لقمة وقضي الأمر.»
فسكتت ريحانة ولم تدر بماذا تجيبه، ولكنها صعدت كتفيها كأنها تقول: «لا يعنيني .»
Shafi da ba'a sani ba