كان للعرب، أيام العز والبغددة، عناية بفروع العلم والأدب كلها.
وكان «الاقتصاد السياسي» أحد العلوم التي عالجوها ووضعوا فيها الكتب والرسائل، ومنها كتاب «آداب الحسبة» الذي وضعه أبو عبد الله محمد بن أبي محمد السقطي المالقي محتسب مدينة مالقة، في زوال القرن الحادي عشر. وقد عني به أخيرا أستاذان من الفرنسويين فطبعا متنه مصححا مشروحا على ما وصفه الأديب «بشر فارس» في المقتطف. وهذا الكتاب مثال لما وضعه القوم من مصنفات أضعناها ولم نحفل بها.
ثم تطور العلم وازدهر وتشعب، ولبثنا نائمين لا ندري عنه شيئا حتى وضع المرحوم «خليل غانم» كتابه الوجيز في الاقتصاد لنحو خمسين سنة، وعقبه المرحوم «رفله جرجس» فوضع مختصرا آخر للعلم لأربعين سنة.
ثم كان ما سميناه النهضة الأدبية العلمية. وأنت إذا حملت «مصباح ديوجنس» وسألت عن كتاب عربي للاقتصاد فلا تجد إلا نحو سبعة أو ثمانية كتب مترجمة كلها.
فلا غرابة إذا نعت إلينا أسلاك البرق والراديو أشهر كتاب العصر وعلماء الاقتصاد وهو شارل جيد، ولم نر في صحفنا فصلا عنه أو عن مؤلفاته ومباحثه في الاقتصاد والتعاون. •••
توفي شارل جيد عن 85 سنة من حياة حافلة بالجد والاجتهاد والدرس.
تلقى مبادئ العلم في مسقط رأسه «مدينة أوزيه بمقاطعة جارد»، ثم قدم إلى باريس ودرس الحقوق في كليتها، وانصرف إلى علم الاقتصاد. وعين أستاذا في كلية الحقوق وكوليج ده فرانس ومدرسة الهندسة المعروفة باسم «الجسور والكباري».
وتولى رياسة تحرير «مجلة الاقتصاد السياسي» الفرنسوية، وهي من أشهر المجلات العالمية في هذا الموضوع، وعمل فيها بهمة وخبرة أربعين سنة متوالية.
وكانت لشارل جيد اليد الطولى في حركة التعاون وتنظيمها في فرنسا، واستفاد بآرائه المتعاونون في أنحاء الشرق والغرب.
وللرجل مؤلفات عدة في الاقتصاد السياسي، وتاريخ المذاهب الاقتصادية، والتعاون، منها: كتاب مبادئ الاقتصاد، وهو معروف يدرس في المدارس الثانوية والسنة الأولى بمدارس الحقوق، وقد ترجم إلى كثير من اللغات الأجنبية، ما عدا العربية.
Shafi da ba'a sani ba